«على هذه الأرض ما يستحق الحياة»، هذه العبارة التي قالها يوماً الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وغيرها من العبارات، خطها شباب فلسطينيون ناشطون في ما تمكن تسميته المقاومة الشعبية، على جدران بيوت قرية عين حجلة في الأغوار الفلسطينية التي تعاني التهديد، وهي بيوت أعاد الشباب بناءها بعد أن هدمت قوات الاحتلال القرية بالكامل وهجّرت أهلها في 1967. ومنذ إعادة بناء عين حجلة، بدا الوضع وكأنه عادي، قبل الاقتحامات المتكررة والمتواصلة لجيش الاحتلال. يرى الداخل إلى القرية التي تثير غضب الاحتلال، أنها مثل بقية القرى، فمجموعة تعد طعام الفطور، ومجموعة أخرى تسقي الأشجار التي زرعت، فيما تتفقد مجموعة ثالثة مرافق القرية التي باتت تعج بالحياة عبر مئات الشباب من الجنسين، رافعين شعار «الأغوار فلسطينية»، فيما يسعى الاحتلال لمزيد من المشاريع الرامية لتهويد المنطقة التي تعرف ب»سلة فلسطين الغذائية»، واقتطاعها من الأراضي الفلسطينيةالمحتلة إلى العام 1967. وعين حجلة، قرية أثرية فلسطينية تتميز بموقع استراتيجي مهم، هُجّر سكانها الأصليون من الفلسطينيين، عقب الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967، واعتبارها منطقة عسكرية مغلقة. وقال عمر شلبي من القدس، والقيم في القرية منذ أيام: «نشاطاتنا في عين حجلة تبشر بغد مشرق، ونحيي كل ليلة سهرات نعقد خلالها حلقات الدبكة الشعبية ونطلق الأغاني الوطنية، وخصوصاً أغاني الثورة الفلسطينية وأغاني الانتفاضتين الأولى والثانية». ويضيف: «يأتي شباب كثر إلى القرية يومياً، وخصوصاً طلبة الجامعات، ومنهم من هو مقيم في القرية منذ إعادة بنائها أو تجديدها، قبل أيام». ويستدرك: «نحن لا نمارس العنف. كل ما نقوم به هو محاولة استعادة قرية كانت لنا، وصودرت وهجر أهلها، أي أنها تقع في ضمن أراضي الدولة الفلسطينية وفق القرارات الدولية... لا سلام من دون الأغوار والقدس، ولا سلام باقتطاع أي جزء من أراضينا المحتلة، وهذه رسالتنا من عين حجلة. لذلك أعدنا إحياء القرية ليكون رسالة لكل العالم ليرى ممارسات الاحتلال على أرضنا». أما محمد قناديلو، وهو طالب جامعي يدرس في جامعة القدس، وبات من سكان «عين حجلة»، فقال: «جئنا من كل الجامعات الفلسطينية لنعيد الحياة إلى قرية عين حجلة. قمنا بالبناء والترميم والزراعة، وسنكمل عملنا هذا، وسنزرع مجموعة من أشجار الحمضيات وأشجار الزيتون. نريد أن نطيل عمر القرية قدر الإمكان، لذلك قسمنا أنفسنا مجموعات للتناوب على الإقامة والحراسة ليل نهار. نحن طلبة جامعات وهذه فترة الامتحانات الفصلية، لذلك نضطر لمغادرة القرية أحياناً». ويقسم الشباب أنفسهم مجموعات، تضم كل منها عشرين طالباً، ووضعوا خطة عمل وبرنامج لتوزيع المهمات، علاوة على أنهم سيطروا على الشارع المحاذي للقرية باعتباره شارعاً فلسطينياً. أما الشاب حسن فرج، وهو أحد المنظمين، فأشار إلى أنه يتم التحضير لهذه الفعالية منذ أسابيع، وأن مكان إقامة القرية اختير بعناية فائقة. وقال: «الحديث عن أهمية الأغوار يطول، فالاحتلال يريد مصادرة الأغوار، ورسالتنا من عين حجلة أن الأغوار أرض فلسطينية ولن نتنازل عنها، كما أنها سلة فلسطين الغذائية، وهي أرض سياحية على حدودنا مع الأردن. المنطقة مهجرة ومنكوبة منذ العام 1967، وأي زائر لها يمكن له أن يدرك من دون عناء أن عين حجلة كانت واحة فلسطينية جميلة». وأضاف: «نظفنا القرية وقلمنا أشجار النخيل واستعملنا سعفه في سقف بعض البيوت القديمة. نقوم بعملنا بشكل يومي وتطوعي تماماً، كما أننا نعقد العديد من الندوات والاجتماعات مع المتضامنين والزوار». ويحاول السكان الجدد لهذه القرية التي تحمل رمزية كبيرة إيصال الماء والكهرباء، وهم يواجهون مشاكل كبيرة في ذلك على رغم حصولهم على الإذن اللازم من الجهة المالكة للأرض. وتحت شعار «أطباء من أجل فلسطين»، توافد إلى القرية أيضاً أطباء جلهم من الشباب، وكان من بينهم رجائي أبو خليل الذي يعمل في الإغاثة الطبية الفلسطينية. وعن إقامته في عين حجلة، قال: «جئنا منذ أول يوم لإعادة إحياء القرية. نقيم فيها على مدار الساعة، وذلك للمساعدة طبياً في حال وقوع أي اعتداء من قوات الاحتلال، وتحسباً لأي حالات طوارئ. كذلك أحضرنا سيارة إسعاف مجهزة ببعض الأجهزة الطبية والأدوية». واقتحم جنود الاحتلال القرية أكثر من مرة، ووقعت إصابات كثيرة بالرصاص المطاطي والغاز، كما أن الجنود لاحقوا بعض الشباب ما أدى إلى إصابة اثنين منهم بكسور، واحد كسر مرفقه والآخر أصيب بكسر في عظام القفص الصدري. وتعامل الأطباء المتطوعون مع الحالتين وسواهما، وقدموا لهم الإسعافات الأولية، ثم نقلوا إلى أقرب مستشفى في مدينة أريحا... وهكذا يعمل الشبان والفتيات والمتضامون والزوار بشكل تكاملي لضمان نجاح هذه التجربة التي لا تندرج في حماية الأغوار فحسب، بل تشكل نوعاً من المقاومة الشعبية السلمية.