بدأ مستثمرون دوليون، في مقدمهم سويسريون، الخروج من أسواق تركيا، بعدما تكبّدوا خسائر تجاوزت قيمتها 40 في المئة من الاستثمارات الإجمالية فيها العام الماضي. ورُصد شبه انهيار لعدد من صناديق الاستثمارات التركية الخاصة بالأسهم في الشهور الأخيرة، لعبت دوراً بارزاً في إسقاط رهان المستثمرين الدوليين حالياً على تركيا. من هذه الصناديق الاستثمارية: «جي بي أم توركاي ايكويتي» الذي تبخر نحو 29 في المئة من أصوله، و «إتش أس بي سي غيف توركاي ايكويتي» الذي خسر نحو 40 في المئة من ثرواته من الأسهم. وعلى رغم تراجع الليرة التركية بشدة أمام العملات الصعبة، لم يستبعد خبراء سويسريون احتمال خطر انزلاق قيمتها أمام العملات الأخرى إلى مستويات كارثية أعمق، مع افتراض وصول ارتدادات ثقيلة إلى المدخرين والمستثمرين الأتراك والأجانب. في سياق متصل، يشدد الخبراء السويسريون على أن تركيا تنتمي إلى مجموعة من الدول التي تعرضت أخيراً لعملية تآكل سريعة في بنيتها التحتية الاقتصادية الكلية، نتيجة سلوكيات تبنتها الطبقات السياسية في هذه الدول، أثارت شكوكاً كثيرة في أوساط أسواق المال الدولية. ويعني تسجيل الموازنة التجارية التركية تحسناً في الفترة الأخيرة، أن عصر إعادة توازنها الاقتصادي قد بدأ. لكن هذا التحسن ليس كافياً حتى الآن لإخراج تركيا من منطقة الخطر. ونجح المحللون السويسريون في تحديد نقطة ضعف تركيا الرئيسة، والمتمثلة في تعلقها الشديد بالتمويل الخارجي القصير الأمد. ومع بدء تقلّص السيولة المالية حول العالم وتراجع رؤوس الأموال المتدفقة نحو عدد من دول العالم ومن بينها تركيا، ضعفت قدرة الأخيرة على سد الثغرات المالية في قطاعيها الخاص والمصرفي في شكل لافت. ويتوقع المحللون انخفاض الاستثمارات السويسرية في تركيا بنسبة تزيد على 90 في المئة هذه السنة. وسيواجه المستثمرون السويسريون وغيرهم هذه السنة تحديات تتعلق بالمردود الضعيف لاستثماراتهم من جهة، والأخطار الناتجة من رفع أسعار الفوائد وانهيار البنية التحتية في بعض الدول النامية من جهة أخرى. والى جانب أوضاع اقتصادية تركية تثير قلق حكومة برن، لا بد من الإشارة إلى ان أوضاع الليرة التركية لا تبشر بالخير أبداً. إذ كلما ساءت الأحوال السياسية هناك تزامناً مع هروب مزيد من رؤوس الأموال إلى الخارج، ضعفت قيمتها في أسواق الصرف الدولية. ويرى أساتذة علوم اقتصادية دولية في جامعة زيورخ، أن ما وصلت إليه قيمة الليرة التركية في هذه الأسواق لا يُذكر بالنسبة إلى ما سيحصل لها في الأسابيع المقبلة، خصوصاً أمام الدولار واليورو وبالتالي الفرنك السويسري. ويعتبر هؤلاء في تحليل أوضاع ميزان المدفوعات التركية، أي قيمة الحقوق والديون الناشئة بين تركيا والعالم الخارجي، أنه الأسوأ حالياً حول العالم، إذ يساعد تدفق رؤوس الأموال إلى تركيا في تحسين هذا الميزان المالي. لكن لما يحصل اليوم من هروب لرؤوس الأموال، مفعول معاكس، يصعب حتى الآن توقع تداعياته على العالم وتحديداً على تركيا والدول النامية المجاورة. ويكفي النظر إلى المصرف المركزي التركي الذي ضخّ نصف احتياطاته لدعم أسعار صرف الليرة التركية أمام الدولار الأميركي، لتكوين فكرة عما يحصل.