في غمرة النقاشات التي ما زالت تشغل الرأي العام الكندي بين مؤيد ومعارض «لشرعة القيم الكيبيكية»، دخلت هذه القضية لأول مرة دائرة الفن السابع لتعرض في فيلم وثائقي تحت عنوان «كيبيك 60 «، مدته 30 دقيقة، إنتاج وإخراج الشاب جورج عيسى كركور( 23 عاماً). والمخرج كندي من أصل سوري، يعمل في حقل الميديا والاتصالات والاعلانات. وسبق لكركور أن انتج العام الماضي فيلماً وثائقياً آخر، مدته 20 دقيقة وعنوانه» أهلاً وسهلاً بكم في الكسيون». وكان كما يقول في مقابلة صحافية، باكورة تجاربه مع الكاميرا. وتمحور موضوعه حول فكرة مؤداها ان إحدى الصحف المحلية نشرت تحقيقاً عن مركز الكسيون التجاري في مونتريال. ودعت فيه الى تجنب زيارته ومقاطعته بحجة «احتلاله من قبل متطرفين اسلاميين». ويومها نشر هذا الفيلم على موقع «يوتيوب» ولاقى إعجاباً وإقبالاً كبيرين. أما بالنسبة الى فيلم كركور الجديد «كيبيك 60» فإنه يشير في مضمون عنوانه الى قانون « شرعة القيم الكيبيكية « الذي حمل الرقم 60 وأُحيل قبل حوالى الشهرين الى الجمعية الوطنية (البرلمان)، حيث ينتظر ان يناقش قريباً. وتنطلق فكرة الفيلم، كما يقول كركور، من لقاء صدفة جمعه في نيويورك مع اندريان باكيه، رئيسة جمعية كيبيكية تسمّى» الحجاب يعنينا - Ce qui nous voile». وتدعو فيها الى التوعية واحترام مكونات المجتمع الكيبيكي القائمة على فضائل التنوع والتعدد وقبول الآخر والتسامح والحوار. وينصب اهتمام الجمعية على استضافة نساء كيبيكيات بينهن محجبات كن قد اعتنقن الاسلام ومحجبات من أصول إسلامية وعربية. وتتويجاً لهذه الافكار المشتركة بين كركور وباكيه، دعت هذه الاخيرة الى عقد اجتماع في «متحف الاديان في كيبيك «. فشكّل الإجتماع الحلقة الاهم في الفيلم كونه ضم عدداً من النساء اللواتي ينتمين الى اتنيات واعمار ومستويات علمية ومهنية مختلفة. ومن هؤلاء كيبيكيات محجبات من اصول عربية واسلامية امثال لميا فايدة، طالبة في علم النفس التربوي في جامعة مونتريال، ومريام الحسنا عبيدا نائبة رئيس رابطة طلاب الدراسات العليا في جامعة شربروك، وسلام المجذوب وانيسة عديوي الطالبتين في كلية الطب في جامعة مونتريال، ومريم عماروش الطالبة الجامعية في قسم العلاج الطبيعي، والطبيبة ساجدة حسين، وشهباز اشرف وهي ربة منزل مسنة، وسارة أبو بكر طالبة ثانوية إضافة الى سيدتين كيبيكيتين محجبتين، الممرضة يولاند تترول ومارلين ميغوراي الموظفة في وزارة الصحة في كيبيك، وبعض السيدات الكيبكيات السافرات المؤيدات لشرعة القيم. وتولى كركور من خلف الكاميرا توجيه عدد من الاسئلة الى تلك النسوة، تمحورت حول الاسلام، والمرأة وموقفها من الحجاب، ونظرتها الى غير المسلمة والتعامل معها، ورأيها بشرعة القيم الكيبيكية الداعية الى منع ارتداء الرموز الدينية في الوظائف العامة وتأثيرها على حاضر المرأة المحجبة ومستقبلها. واتسمت الاجوبة كما تشير وقائع الفيلم، بقدر كبير من الوعي والموضوعية والبعد عن الانفعال. لتظهر ان ارتداء الحجاب لدى الجيل الناشئ من الفتيات، هو فعل ايمان وارادة حرة وقناعة لا يشوبها إكراه أوخوف. وانه، خلافاً لبعض ما تقول وسائل الاعلام الكندية المسيئة للاسلام ولحرية المرأة وكرامتها، ليس بأية حال دليل جهل وتخلف وتعصب. وخلافاً لتك المزاعم ترى مريم عماروش ان المرأة المسلمة هي «سفيرة» لجاليتها، وتقدم نفسها «كصورة عن الوجه المشرق للاسلام من حيث الانفتاح والحرية واحترام التنوع والتعدد والرأي الآخر». وتؤكد المحجبة الكيبيكية تترول على هذه المُثل بقولها: «من خلال تجربتي مع الحجاب في العمل وجدت فيه حصانة وأمناً وعفة وتربية ومساحة انسانية كبيرة قائمة على حسن التعامل والمحبة والاحترام». اما «شرعة القيم» فأكد الجميع على رفضها من حيث تدخلها في الاديان، وتقسيم المجتمع، وتعميق التمييز العنصري، وتهميش شريحة كبيرة من الاقليات الدينية، وإرغام المئات منهم رجالاً ونساء على ترك وظائفهم اذا ما قدّر للشرعة ان تبصرالنور. الشرعة مرفوضةً وفي نهاية الفيلم يسلط كركورالضوء على رفض شرعة القيم الكيبيكية من خلال مظاهرة كبيرة جرت تحت المطر في شارع رينيه ليفك في مونتريال. وتحدث فيها رئيس التجمع اليهودي في كيبيك نورمان سيمون وممثلان عن جمعيات الهنود السيخ ( مانو هارزنغ سيان وهار ديب ديلون ). حيث اكد الجميع على ان الشرعة تشكل «اهانة لعقائدنا وتعدّياً على حرياتنا الدينية». واشاروا الى ان مناهضة الشرعة لا تقتصر على الاقليات الدينية وحسب بل ترفضها قطاعات واسعة من الكيبيكيين والكنديين بينهم مفكرون وكتّاب وجامعيون واعلاميون وقادة احزاب فضلاً عن منظمات المجتمع المدني ولجان حقوق الانسان. اما جورج كركور فيختتم فيلمه بعبارة أشبه بعظة بطريركية يقول فيها: «سامحوهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون أو ربما يدرون».