«مشوار يا الطيب»؟ عبارة يستقبلها القادمون إلى مطار الملك خالد الدولي في مدينة الرياض قبل أن يقصدوا مواقف سيارات الأجرة النظامية، إذ يبادرهم بها شبان سعوديون منهم معلمون وجامعيون ومنهم عاطلون عن العمل باتوا يعرفون ب«الكدادة»، وهو المسمى الشعبي لهم، فهم يقومون بالعمل على مركباتهم الخاصة بنقل الركاب من المطار إلى وسط البلد، أو ربما إلى خارج البلد. وعلى رغم وجود سيارات الأجرة النظامية إلا أن هناك العشرات من المركبات غير النظامية، أو ما تعرف بسيارات «الخصوصي»، إذ يتوافد عليهم كثير من الركاب نظراً إلى الفارق المادي الكبير بين سيارات الأجرة النظامية وأصحاب السيارات الخصوصية. كما أن من يشاهد طبيعة سير عمل «الكدادة» في مطار الملك خالد الدولي يجد أنهم يعملون وسط عمليات كر وفر مع رجال المرور، إذ إنهم عرضة لتطبيق روادع الأنظمة في مثل هذه الحالات، فمنهم من يتعرض للسجن والغرامة، وكذلك حجز المركبة مدة 15 يوماً في حال تكرار المخالفة. ويشير عبدالرحمن العتيبي (34 عاماً) متزوج وهو أحد الكدادة، إلى أن عدم التوفيق في الحصول على وظيفة تؤمن له حياة كريمة وتلبي متطلبات أسرته الصغيرة، قاده إلى العمل بسيارته الخاصة وركوب قطار التحدي والمغامرة، ويذهب العتيبي الحاصل على شهادة البكالوريوس في نظم المعلومات، إلى مطار الملك خالد الدولي يومياً للبحث عن قوت يومه وما يسد به رمق العيش ومتطلبات الحياة، إذ يقضي ما معدله 18 ساعة يومياً للعمل من وإلى المطار. ويقول العتيبي: «تخرجت من الجامعة قبل ثلاثة أعوام، وما زلت في صفوف العاطلين، ولم أوفق بعد في الحصول على الوظيفة التي طال انتظارها ولما تأتي بعد، فأنا متزوج ولدي ثلاثة أطفال وأصحو باكراً للدوام، ولكن هذا الدوام يختلف كلياً عن المتعارف عليه، إذ ليس هناك مكتب أو مكيف، فهنا في مطار الملك خالد أقف على قدم وساق مطارداً كل من يحمل على ظهره أمتعة». ويتابع: «يبدأ يومي في طلب الرزق وإيجاد دخل ولو بسيط يلبي متطلبات الحياة الصعبة من إيجار للشقة ومصاريف للبيت والأسرة، وليس هذا فحسب، بل تجب علي مراعاة مصروف مخالفات ساهر اليومي، إضافة إلى المخالفات المرورية التي أصبحت جزءاً من حياتي». ولفت العتيبي إلى تعرض مركبته للحجز في الشهر مرة أو مرتين، مبيناً أن هذه المهنة الشاقة تضاف إليها معركة من نوع خاص ما بين طلب الرزق والإفلات من رجال المرور ومخالفات «ساهر». ويشاركه بالرأي أبوراكان (34 عاماً)، ويعمل معلماً وهو متزوج ولديه طفلان، إذ يقول: «لم يتبق لي من الراتب سوى القليل، ولدي التزامات كثيرة تتطلب مني الوفاء بها، واضطررت للعمل على سيارتي الخاصة لتوفير ما يمكن توفيره من المتطلبات الرئيسة للحياة»، مبيناً أن الذهاب للمطار وتحميل الركاب هي مغامرة غير محسوبة المخاطر، قائلاً: «ربما أعود لأسرتي وعملي، وربما أجد نفسي داخل السجن أنا ومركبتي». ولم يخف أبوراكان علمه بأن تحميل الركاب على السيارات الخاصة مخالفة مرورية، واعتبر طلب الرزق عبر هذا العمل هو حاجة ماسة لأجل العيش، ويقول: «نتعاطف مع رجال المرور ونعلم أنهم يقومون بتطبيق النظام»، مطالباً بالسماح لأصحاب المركبات الخاصة بالعمل وفق تنظيم معين وفي حالات معينة، كأن تدرس حال البعض منهم، و«بعد التأكد من صدقية حاجته المادية يتم منحه تصريحاً لمزاولة المهنة، فهناك من هم في أمس الحاجة والعوز، ونحن نطلب العيش ولم نسرق». بدوره، أشار محمد الرفاعي وهو طالب جامعي إلى أن صعوبة الحياة وغلاء الأسعار، إضافة إلى المتطلبات الجامعية من كتب وبحوث وغيرها دفعته إلى العمل وحجز مقعد على قطار «الكدادة» المليء بالمغامرات والمخاطر المرورية. ويقول الرفاعي الذي يسكن شمال المملكة: «أتيت لمدينة الرياض لطلب الدراسة، ولكن بعد الاستقرار هنا بدأت تتفتح علي أبواب لم تكن في الحسبان»، مبيناً أن كل ما يملك هو المكافأة الجامعية التي تقدر ب800 ريال. ويضيف: «كطالب جامعي أحتاج إلى توفير مبالغ مالية لشراء الكتب، إضافة إلى الأكل والشرب ودفع إيجار المسكن، كما أن الغربة هنا في الرياض تتطلب عملاً دؤوباً، وبحكم ارتباطي بالجامعة في شكل منتظم، فيصعب علي إيجاد عمل جزئي يلبي متطلباتي اليومية». من جهته، قال محمد عبدالله أحد القادمين من السفر: «إنني ألاحظ وجود الكدادة الكثيف في استقبال المسافرين، ولكننا في حاجة إليهم كما هم في حاجة إلينا، إذ إن أسعارهم بمتناول الجميع، بخلاف الأجرة النظامية التي تبالغ في أسعارها»، فيما قال فيصل فرحان: «إن وجود شرائح مختلفة من أبناء المجتمع تعمل في الكدادة إنما هو مؤشر على الحاجة الماسة لديهم، وأن برنامج حافز للباحثين عن عمل لم يغطِ كل أولائك الشبان، فهم بحاجة إلى بديل مناسب حتى يتجهوا إليه».