نشرت وزارة الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كردستان العراق بياناً عاماً على صفحتها الإلكترونية في 8 كانون الثاني (يناير) يعلن «بدء بيع الشحنة الأولى من النفط المصدّر من خلال خط أنابيب كردستان الإقليمي الجديد عبر تركيا إلى ميناء جيهان. وتتوقع الوزارة بيع الشحنة الأولى من النفط المصدر التي تشكل مليوني برميل في نهاية الشهر الحالي. وسيرتفع حجم الشحنات تدريجاً إلى أربعة ملايين برميل لبيعها نهاية شباط (فبراير)، وإلى ستة ملايين برميل لبيعها نهاية آذار (مارس). ويُتوقَّع ارتفاع حجم الشحنات تدريجاً إلى 10 - 12 مليون برميل في كانون الأول (ديسمبر) 2014». ويلفت البيان إلى أن «مؤسسة تسويق النفط الكردستاني» (سوكو) ستكون مسؤولة عن بيع النفط وتسعيره. ويضيف ان النفط سيُصدَّر عبر خط أنابيب جديد شيّدته حكومة الإقليم، وسيرتبط في تركيا بمنظومة خط الأنابيب المخصص لتصدير نفط كركوك إلى ميناء جيهان التركي المطل على البحر المتوسط. بعد اكتمال تشييد الخط الجديد، تُجرى حالياً تجارب أولية للتأكد من سلامته. ويُخزَّن النفط في مستودعات ميناء جيهان، ولكن لم يُصدَّر النفط حتى الآن. وعبّرت السلطات الفيديرالية العراقية في بغداد عن رفضها مشروع تصدير نفط عراقي عبر مؤسسة محلية غير فيديرالية وهددت بقطع العلاقات السياسية مع تركيا، بالإضافة إلى قطع العلاقات التجارية والاستثمارية المقدّرة بنحو 12 بليون دولار. وهدد نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني بمقاضاة تركيا مالياً بقيمة النفط العراقي «المهرب» عبر أراضيها. وهدد رئيس الوزراء نوري المالكي في تصريح إلى وكالة «رويترز» بإيقاف التحويلات المالية لإقليم كردستان من الموازنة العامة السنوية في حال البدء بضخ النفط عبر خط الأنابيب الجديد. وكانت أنقرة وعدت السلطات العراقية بأنها لن تتخذ قراراً لا توافق عليه بغداد. تعتبر مبادرة إقليم كردستان سابقة في صناعة النفط العراقية، إذ إنها ستطرح مستقبلاً إمكانية التصدير مباشرة إلى الأقاليم والمحافظات من دون علم «مؤسسة تسويق النفط العراقية» (سومو) أو إشرافها، ما يعني أن الريع النفطي سيتشتت بين مصادر كثيرة في البلاد، والتفكك التدريجي للعراق. وثمة دعوات من بعض المحافظات (البصرة، الأنبار، العمارة والكوت) لاتباع سياسة نفطية مشابهة لسياسة الإقليم. وهذا الأمر لا يعني فقط إيجاد مشاكل داخلية في العراق، كما هو حاصل اليوم في أروقة البرلمان حيث أُجِّلت مراجعة الموازنة العامة لعام 2014 بسبب الخلافات النفطية ما بين بغداد وأربيل، إلى جانب خلافات أخرى حول حصة الإقليم من الموازنة العامة. ويتضح أن الحكومة العراقية حولت نحو 20 بليون دولار إلى حكومة إقليم كردستان خلال 2013، وفق ما ينص عليه الدستور وهو ما يعادل تقريباً 17 في المئة من الدخل السنوي المجمل للبلاد. ولكن أربيل تدعي ان المبلغ بأكمله لم يُحوَّل بعد، وأن ما وصل لا يغطي نفقات قوات البشمركة. وترد بغداد بأن أربيل لم تنفذ ما تعهدت به وهو تصدير ربع مليون برميل يومياً خلال 2013. ويطالب الإقليم الحكومة الفيديرالية بأن تدفع إلى الشركات العاملة في الإقليم نفقات كانت التزمت بها مباشرة مع الشركات النفطية من دون علم السلطة الفيديرالية. وهنا أيضاً امتنعت بغداد عن دفع تكاليف لم تكن مطلعة أو موافقة عليها، وتصر على ان تتحمل حكومة الإقليم هذه الالتزامات من موازنتها مباشرة. وتعني المبادرة إلى التصدير فتح المجال للتدخل في شؤون العراق الداخلية والصناعية من خلال انتهاز الفرص لاستغلال الخلافات الداخلية ما بين المركز والأطراف. وهذا ما تقوم به تركيا حالياً. وهناك أيضاً خطورة بدء السلطات المحلية بتصدير النفط بطريقة مستقلة تماماً عن سياسة التصدير للحكومة الفيديرالية بل ومنافسة لها في الأسواق والمعادلات السعرية. تختلف التفسيرات والاجتهادات حول صلاحيات السلطة الفيديرالية من جهة والمحافظات والأقاليم من جهة أخرى حول كيفية تطوير الصناعة النفطية. وثمة اعتقاد شائع عند العراقيين بأن غموض دستور 2005 حول توزيع صلاحيات تطوير الصناعة النفطية لم يأتِ عفواً بل قصداً من أجل إيجاد فوضى في الصناعة النفطية كما هو حاصل، والسماح لبعضهم بالاستفادة من هذه الفوضى. وأضاف إلى هذا الغموض تأخر البرلمان منذ شباط (فبراير) 2007 في إقرار قانون النفط والغاز الذي يرسم صورة أدق للعلاقات النفطية الفيديرالية والمحلية. ولكن ثمة وضوح كامل في الدستور الذي يمنح «سومو» صلاحية تصدير الثروة الهيدروكربونية وتسويقها. واضح ان إقليم كردستان حقق منذ 2003 خطوات مهمة في تطوير الصناعة البترولية على أراضيه، ولا تجوز إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ولكن ربط الإقليم سياسته البترولية بتركيا يثير تساؤلات. فالتقارير عن المعادلة السعرية لبيع الغاز تشير إلى حسوم كبيرة مقدمة إلى تركيا، وهذا سيثير غضب الدول المصدرة المجاورة (روسيا وأذربيجان وإيران)، ناهيك عن العراق الذي يزمع تصدير الغاز إلى تركيا. والأمر الأساسي الذي يؤخر تصدير النفط من الإقليم، على رغم وصوله إلى خزانات جيهان، هو التناقض الذي حصل في التعهدات التركية إلى الجانبين العراقيين. فالتعهد الأول للإقليم سمح له بربط خط أنابيب جديد بمنظومة الأنابيب التركية والتصدير إلى الأسواق الدولية من جيهان. أما التعهد الثاني للحكومة العراقية، فهو عدم السماح بالصادرات النفطية من الإقليم ما دامت بغداد تعترض على ذلك أو ان الخطوة تناقض السيادة العراقية. واعتقدت أنقرة أنها تستطيع التوسط وحل الخلاف ما بين الطرفين. وحاولت التوسط لكنها أخفقت في ردم الهوة. ومن ثم سمحت للنفط من الإقليم بعبور أراضيها ولكن من دون تصديره فالتزمت بتعهديها. ولكن إلى متى يمكن لأنقرة الالتزام أمام لبغداد؟ وماذا سيحدث لو نقضتهما؟ لا بد من ان بغداد ستقاضي أنقرة وتحاول ان تحصل على قرار من محكمة دولية بوضع اليد على النفط المصدر ما سيعرقل تسويقه. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية