تصاعد الخلاف النفطي بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان بعد الإعلان رسمياً الأسبوع الماضي عن نية إربيل وأنقرة بناء خط أنابيب لتصدير النفط الخام مباشرة من الإقليم إلى تركيا. وصدر الإعلان خلال مؤتمر عقِد في إربيل، بحضور وزير الطاقة التركي تانر يلدز، ورئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، ووزير الموارد الطبيعية في الإقليم آشتي هورامي، الذي قال أثناء المؤتمر: «في آب (أغسطس) 2013، سيصبح في وسعنا التصدير مباشرة من إقليم كردستان. سنصبح مسؤولين عن تصدير النفط. وسيظل نفطاً عراقياً». وأكد ان حكومة كردستان ستستحوذ على 17 في المئة من إيرادات الإقليم المسموح بها في الموازنة وتحوّل بقية الريع النفطي من الصادرات إلى الحكومة العراقية. لكن يتضح، على رغم الإعلان عن المشروع، ان أي اتفاق بين الطرفين لتشييد خط الأنابيب لم يوقَّع بعد. وتشير التقارير الأولية إلى ان طاقة الخط ستبلغ نحو مليون برميل يومياً من النفط الخام، وستستلم تركيا هذه الكمية ثم تصدّر إلى الإقليم منتجات بترولية مكررة في تركيا. وتتوقع مصادر صناعية ان لا يكتمل خط الأنابيب ويبدأ التصدير قبل كانون الثاني (يناير) 2014. وهناك خطة لتشييد خط أخر خلال ثلاث إلى أربع سنوات لتصدير الغاز من حقول كردستان العراق إلى تركيا. ما هو الهدف من هذا التصدير المباشر؟ سياسياً، تعتبر الخطوة محاولة جديدة لتأكيد استقلالية الإقليم عن سياسة الحكومة الفيديرالية. وهي تأتي بعد أسابيع من وقف الإقليم تصدير نحو 100 ألف برميل يومياً عبر الخط العراقي - التركي. ونفطياً، يدعم القرار مصالح الشركات النفطية العاملة في الإقليم والتي تطالب بالتصدير لتعزيز أرباحها، بدلاً من الاكتفاء بالتسويق المحلي. ويشكّل التفاهم على هذا الخط نقلة في السياسة التركية تجاه العراق، إذ اتبعت أنقرة حتى الآن منهجاً واضحاً يتمثّل في عدم الموافقة على تصدير النفط من إقليم كردستان إلى تركيا من دون موافقة بغداد. وتأتي الخطوة في وقت اشتدت فيه الخلافات بين بغداد وأنقرة، إذ يتهم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان نظيره العراقي نوري المالكي بأنه «حاكم أوتوقراطي»، بينما يتهم المالكي نظيره التركي ب «التدخل في شؤون العراق الداخلية». وكان رد الفعل الأولي لبغداد على هذا الاتفاق، وقف إرسال وقود المواصلات إلى الإقليم لشهر. ومن الأسئلة المطروحة الآن: هل ستتأثر الاستثمارات والصادرات التركية للعراق والتي تبلغ 12 بليون دولار، خصوصاً مع تظاهر أنصار «حزب الدعوة» في الجنوب للمطالبة بالضغط لتقليصها؟ أما سياسة الحكومة العراقية في هذا الخصوص فتقوم على مبدأ ان الموارد الطبيعية في البلاد هي ملك للشعب العراقي كله، ولا يحق لغير الدولة التصرف بهذه الموارد، خصوصاً من قبل فئات من الشعب العراقي، سواء كانت مؤيدة أو معارضة لحكومة المالكي. وتحظى هذه السياسة بتأييد كوادر القطاع النفطي لأنها تشكّل استمراراً لسياسة عراقية نفطية موحدة. يشكّل الإعلان عن التصدير المباشر التحدي النفطي الثاني للسياسة النفطية العراقية، إذ ان هذا التصدير محصور قانوناً ب «شركة تسويق النفط» (سومو) الحكومية. ومعروف ان التحدي الأول تمثّل بتوقيع حكومة إقليم كردستان اتفاقات لمشاركة الإنتاج مع شركات نفطية دولية، كان آخرها مع شركة «إكسون موبيل» الأميركية العملاقة التي وقعت معها حكومة الإقليم ستة اتفاقات، ليصبح مجموع اتفاقات حكومة الإقليم مع شركات نفطية دولية نحو 50 اتفاقاً. ولا بد الآن من الحذر من تحدٍ ثالث، يتمثّل في احتمال سماح السلطات الكردية بالتنقيب عن النفط في مناطق «متنازع عليها» داخل العراق، أي المناطق التي لم يحدَّد حتى الآن إذا كانت تابعة لسيادة الحكومة العراقية، أم لإقليم كردستان. وهناك العديد من هذه المناطق، وطبيعي اعتبار محافظة كركوك، بثروتها النفطية العملاقة، وبالتداخل السكاني فيها من عرب وأكراد وتركمان ومسيحيين، إحدى أصعب هذه المناطق، ويمكن جداً ان يشكّل أي تجاوز فيها سبباً لاندلاع صراعات داخلية عسكرية لا تحمَد عقباها. ويكمن السبب الرئيس في هذه الخلافات بين بغداد من جهة والمحافظات والأقاليم من جهة أخرى، في البنود المبهمة والمتناقضة في دستور 2005 حول صلاحيات ومسؤوليات كل طرف في تنفيذ سياسات الصناعة النفطية. وشكّل هذا الغموض في الدستور وسيلة لتنفيذ أجندات خاصة وشيوع الفساد، كما سمح لرئاسة الحكومة بالاستمرار في تنفيذ سياسة سلطوية غير مبالية بنتائجها على وحدة البلد، فاحتمال تقسيم العراق وارد في حال الاستمرار في هذا النهج. لماذا برزت هذه الخلافات النفطية بعد عام 2003؟ تشكّلت الدولة العراقية الجديدة بعد الاحتلال على أساس طائفي وعرقي، وكان مفترضاً مراعاة مصالح كل الطوائف. إلا ان الذي حصل هو غير ذلك. فالطائفة الأكثر عدداً حاولت الاستئثار بالسلطة والثروات من دون محاولة الأخذ في الاعتبار مصالح الطوائف والأعراق التي تشاركها الحكم في نظام فيديرالي. ومارس رئيس الوزراء سلطات ديكتاتورية ذات طابع طائفي أوجدت أزمة. وحاولت القوى المشاركة في الحكم انتهاز الفرص للحصول على «مكاسب»، ولو على حساب مصلحة الدولة. وخير مثال على الخلل في ميزان القوى الداخلي، هو الخلاف المستمر على تشريع قانون نفطي منذ العام 2007، مادفع إلى الفوضى النفطية التي تمر بها البلاد منذ سنوات. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية