يترك التلفزيون مساحات واسعة من فترات بثه لتصفّح الصحف والمجلات، إلى درجة أن الأمر بات ركناً ثابتاً لدى العديد من القنوات، لا تتخلّى عنه، وتتردّد عليه في أوقات مختلفة، بخاصة فترتي الصباح والمساء، في مسعى لمزيد من الاطلاع على ما ينشره الإعلام المقروء بما يعزّز الذخيرة الإخبارية للتلفزيون، من جهة، ويضفي مقداراً من التنوع الذي لا يقدر عليه مراسلو التلفزيون وحدهم، من جهة ثانية. تتنوّع أشكال وطرق تناول التلفزيون مواد الصحافة، ما بين التناول الخبري، المرافق غالباً لبعض نشرات الأخبار التلفزيونية، من حيث التوقف أمام أبرز أو أهم ما كتبته الصحافة، وتطرقت إليه من موضوعات لا تتوافر المادة الصورية الفيديوية اللازمة لها للخبر التلفزيوني، وصولاً إلى التناول البرامجي الذي تتحوّل فيه الصحافة وموادها إلى ركيزة تقوم عليها بعض البرامج بكامل موضوعاتها، سواء قراءة وإطلاعاً، أم قراءة وتعقيباً، في إدراك أنه ما زال للصحافة المقروءة مجالاتها الأوسع والأسرع والأعمق، مجالاً وحركة وجرأة. سرعان ما تحضر إلى الذاكرة سلسلة من العناوين بصدد العلاقة بين الصحافة والتلفزيون لعل أشهرها «السلطة الرابعة» و«الطبعة الأخيرة»، وصولاً إلى «مانشيت» و«أعمدة وزوايا» و«قالت الصحافة»، وكثير جداً من طراز هذه البرامج التي ليس من العسير أن تقرأ مضامينها من عناوينها. وفي وقت تقوم بعض القنوات بقراءة موضوعات من الصحافة، قبل صدورها، لا بد من السؤال: هل تؤثر هذه البرامج على معدلات شراء النسخ الورقية؟ وهل تتضافر الشاشة في هذه الحال مع النسخ الإلكترونية في الحدّ من حجم المبيعات؟ أم أنها تقوم بالترويج والإعلان لما تنشره الصحافة، بما يدفع القارئ لاقتناء نسخته الصحافية ذات العلاقة؟ المشتغلون في مجال التوزيع، هم المعنيون باتخاذ ما يرونه مناسباً لإيجاد توازن بين وصول المادة الصحافية إلى أوسع قطاع، من دون أن يؤدي إلى تكديس الصحيفة في مستودع المرتجعات! من ناحية أخرى، يمكن النظر إلى أن ما يفعله التلفزيون إزاء الصحافة المقروءة ينسجم بشكل أو آخر مع انتشار معدلات الأمية، وتقاعس كثيرين عن مشقة القراءة، والميل إلى ثقافة السماع والمشاهدة، بخاصة أن بعض البرامج التي تتكئ على الصحافة، تأخذ صيغة الدردشة والتعليق والتعقيب، التي يمكن أن تتسم بالطرافة حيناً، والقدرة على جذب المشاهد بقوة حضور المذيع وطريقته في الكلام، حيناً آخر، ولنا في ما كان يفعله أحمد المسلماني في «الطبعة الأخيرة»، وما يفعله جابر القرموطي في «مانشيت»، مثلاً. علاقة التلفزيون بالصحافة، تبدو كأنما هي سلاح ذو حدّين، إذ يساهم التلفزيون من ناحية، في إيصال المادة الصحافية إلى أوسع قطاع، لكنه في الوقت ذاته يسحب المحترفين والمهنيين والموهوبين، أنفسهم، من مكاتب الصحافة المقروءة، إلى ردهات أستوديواته، ليحوّلهم مذيعين على شاشته.