أتابع اسبوعياً الملحق التلفزيوني الذي تصدره صحيفة «لوموند» الفرنسية وأقرأ مقالات مهمّة عن أفلام وبرامج وظواهر أشعر أنني لست بغريب عنها ولو كانت موجّهة الى المشاهد الفرنسي. وأكثر ما يلفتني في هذه المقالات أن كتّابها محترفون جداً وأصحاب اختصاص في الحقول التي يكتبون فيها. ففي أحيان أقرأ نقداً مسرحياً صارماً عن مسرحية ستعرض على التلفزيون وهو لا يختلف عن النقد الذي يكتبه نقاد محترفون عن الحركة المسرحية الفرنسية. أما في حقل الأفلام السينمائية التي تعرض على الشاشة الصغيرة فإن متابعتها النقدية تذكر بالمقالات المهمة التي يكتبها النقاد السينمائيون في الصحف والمجلات السينمائية. وهكذا دواليك... كأن يكتب ناقد أدبي مثلاً عن روائي أو شاعر خصّه التلفزيون بحلقة أو فيلم وثائقي، فيشعر القارئ أنه يقرأ مقالاً في النقد الأدبي لكنه موجّه الى قارئ آخر، هو قارئ الملحق التلفزيوني. وهذا ما ينطبق أيضاً على الفن التشكيلي والبرامج الاجتماعية والثقافية. قد يمثل هذا النقد المتخصص، الجاد والشعبي في آن، أحد أجمل تجليات النقد التلفزيوني. فالنقاد هنا ليسوا طارئين على الحقول التي يكتبون فيها مثلما يحصل كثيراً - ويا للبؤس - في الصحافة العربية. ولعل هذا ما يمنح النقد التلفزيوني في الغرب - أو فرنسا هنا - صفة الرصانة التي يتطلبها الإعلام التلفزيوني الذي يُعدّ الأخطر والأشمل والأوسع انتشاراً. وقد أدركت الصحافة الغربية أهميّة الشاشة الصغيرة وخطورتها وسعت الى منحها اهتماماً خاصاً والاعتناء بها إعلامياً ونقدياً. وإذا قارنا بين ما يكتب في الصحافة الغربية من مقالات تلفزيونية وما يكتب في الصحافة العربية، ما عدا بعض الصفحات الجاّدة، لاكتشفنا ان الفارق كبير وكبير جداً، لا سيما إذا تمَّ التركيز على المجلات التجارية والرخيصة أو الصفراء التي تدّعي الاهتمام بالمواد التلفزيونية. فما ينشر في الصحافة العربية التلفزيونية يفتقر الى المعرفة أولاً ثم الى التجربة ثم الى الثقافة وسواها. فالعديد من «صحافيي» الصفحات التلفزيونية (وليس نقادها) يكادون يكونون أميين وجهلة، همّهم إثارة الفضائح والتدخل في الأمور الشخصية التي لا تعني المشاهد، عطفاً على ميلهم الى المظاهر الخارجية والدعائية. ولو حاولنا أن نحصي بعض الأسماء في حقل هذا النقد الجاد والصحيح لما تخطى عددهم عدد أصابع اليد الواحدة. هذا في مرحلة تسيطر فيها الثقافة التلفزيونية على سائر الثقافات أو الميادين الثقافية، ما يجعل النقد التلفزيوني حاجة ملحة، بغية الإضاءة والمقاربة والتوجيه... أقرأ الملحق التلفزيوني الذي تصدره صحيفة «لوموند» الفرنسية بمتعة، مع انني أعلم أن هذه البرامج والأفلام ستفوتني ولن أشاهدها، أما في الصحافة العربية فقليلة هي المقالات التي تستوقفني فأقرأها بمتعة. تُرى ألا يحتاج النقد التلفزيوني في الصحافة العربية الى وقفة نقدية؟