فيما يحتل موضوع بدانة الأطفال الواجهة الرئيسية في المقالات والمؤتمرات والبحوث، نجد اهتماماً أقل بنحافة الأطفال على رغم أنها مشكلة صحية يعاني منها الكثيرون منهم، وهي لا تقل خطورة عن البدانة، خصوصاً إذا ما حصلت في مرحلة النمو والتطور التي تشهد بناء معالم الجسم، وتشييد القدرات العقلية والنفسية والتعليمية. ونحافة الأطفال مشكلة مؤرقة للأمهات، لأنها قد تجعل صحتهم في مهب الريح، فتتراجع أنشطتهم البدنية والعقلية، فضلاً عن صورة الهزال التي تكون واضحة عليهم. وتفيد التحريات الحديثة بأن 15 إلى 30 في المئة من أطفال العالم يعانون من النحافة أو نقص الوزن عن المعدل الطبيعي. إن النحافة لا تقاس بالعين المجردة، وإنما يتم التحقق منها من خلال حساب العلاقة بين وزن الطفل وطوله، ومن ثم مقارنة ذلك بالقيم الطبيعية لرفاقه في المرحلة العمرية ذاتها. وفي شكل عام وبحسب العرف الطبي يكون الطفل نحيفاً عندما يقل وزنه عن المعدل الطبيعي بنسبة 20 إلى 30 في المئة. وتفيد إحصاءات منظمة الصحة العالمية لعام 2012 بأن النحافة تضرب ما يقارب مئة مليون طفل دون سن الخامسة في الدول النامية. ما هي أسباب نحافة الطفل؟ تتعدد الأسباب الكامنة وراء نحافة الطفل، وفي ما يأتي جولة على أبرزها: 1- سوء التغذية، وهو يعتبر السبب الأهم لنحافة الأطفال في الدول الفقيرة لأنه يحرم الجسم من عنصر أو أكثر من العناصر الغذائية الأساسية لعملية البناء في مرحلة الطفولة. ويؤدي سوء التغذية إلى وقوع أكثر من نصف مجموع وفيات الأطفال، على رغم عدم إدراجه، إلا نادراً، في قائمة الأسباب المباشرة لتلك الوفيات. وسوء التغذية مشكلة عالمية، خصوصاً بين الأطفال، ويساهم الفقر والكوارث الطبيعية وكذلك الاضطرابات السياسية والحروب في تفاقم هذه المشكلة. 2- أسباب وراثية، وهي تلعب دوراً بارزاً في النحافة، فالمورثات (الجينات) تتحكم في كل شاردة وواردة في الجسم، خصوصاً في العمليات الاستقلابية، فعندما تكون هذه الأخيرة مرتفعة فإن الجسم يحرق معظم الطاقة الناتجة من الطعام فلا يتم تخزينها، في المقابل فإن العمليات الاستقلابية البطيئة تؤدي إلى حرق القليل من الطاقة وتخزين المزيد منها. 3- أمراض الطفولة، خصوصاً الأمراض الغدية التي تؤدي إلى ضياع كبير في الوزن، مثل الداء السكري النوع الأول، وبعض إصابات الغدة الدرقية. أيضاً الإصابة ببعض الأمراض قد تكون سبباً لنحافة الأطفال، مثل أمراض الحميات، وداء التليف الكيسي، وأمراض الجهاز الهضمي (خصوصاً الالتهابية منها والتي تترافق مع إسهال وتقيؤات)، والأمراض المزمنة وغيرها. 4- نحافة الأم. قد يواجه المولود الجديد هذا العالم وهو يعاني النحافة، أما السبب فيعود إلى اختلال نمو الجنين وهو في رحم أمه نتيجة عوامل عدة من بينها إصابة الأم بمرض معين خلال مسيرة الحمل، أو بسبب تناولها عقاقير تؤثر في نمو الجنين. كما أن الأم النحيفة تضع عادة مولوداً ناقص الوزن. 5- العادات الغذائية الخاطئة، مثل جهل الأم بكيفية إطعام طفلها ومقدار ونوعية الغذاء الذي يجب أن يحصل عليه بشكل ملائم لعمره. أيضاً التأخر في تقديم الطعام الصلب للطفل في عامه الأول، وعدم إدراك الأم للعلامات التي تدل على اكتفاء طفلها من الطعام قد يكونان سبباً في استيطان النحافة عند الطفل. 6- الأدوية. إن تناول الطفل لبعض الأدوية التي تتسبب في الشعور بفقدان الشهية يمكن أن يلعب دوراً في تدهور وزن الطفل وبالتالي حدوث النحافة. 7- الإصابات النفسية. إن تعرض الطفل لبعض الإصابات النفسية لفترة طويلة يمكن أن يؤثر في شهيته ونشاط معدته ما يؤدي إلى إصابته بالنحافة الزائدة. 8- الإصابة بالديدان، وهذه قد تحرم الطفل من الحصول على كفايته من العناصر الغذائية، وقد تكون سبباً في حدوث نقص الشهية وتدهور الوزن. كيف تتم مواجهة نحافة الأطفال؟ إن علاج نحافة الأطفال يتم على جبهات عدة: - الجبهة الأولى، معرفة إذا كان الطفل مصاباً حقاً بالنحافة التي لا تقاس بالعين المجردة وإنما بناء على قياسات ومعطيات تأخذ في الاعتبار عمر الطفل وطوله ووزنه. وفي حال تسجيل نقص كبير في وزن الطفل على الأهل أن يبادروا بسرعة إلى استشارة الطبيب المختص. فإذا تبين بعد الجمع والطرح والضرب والتقسيم أن الطفل نحيف فعندها يجب الانتقال إلى الجبهة الثانية. - الجبهة الثانية، العمل قدر الإمكان على رصد السبب الفعلي للنحافة وتدبيره. - الجبهة الثالثة، إذا كانت نحافة الطفل لا تترافق مع مضاعفات فإنه يمكن تدبيرها في المنزل تحت إشراف الطبيب أو اختصاصي التغذية، مع التشديد على الأهل التزام النصائح المقدمة إليهم حرفياً، خصوصاً لجهة مقدار الغذاء ونوعيته وعدد مرات إعطائه، وقد يحتاج بعض الأطفال تناول بعض المكملات الغذائية النوعية. - الجبهة الرابعة، إذا كانت حال الطفل النحيف مزرية ويعاني من سوء التغذية أو من صعوبة في البلع أو من التقيؤات أو الإسهال المتكرر فيجب إدخاله إلى المستشفى لتلقي العلاج تحت إشراف طبي مباشر. - الجبهة الخامسة، العمل على المحور النفسي والاجتماعي من أجل رصد أي خلل على هذا الصعيد وبالتالي علاجه. وحبذا لو تقيد الأهل بالنصائح الآتية لمنع إصابة الطفل بالنحافة: مراقبة نمو الطفل بصورة دورية. إعطاؤه الحصص الغذائية المناسبة التي تحمل له كل ما يلزمه من عناصر الصحة. عدم إجباره على الأكل. أن يمارس الأنشطة الرياضية المناسبة. أن يحصل على المدة الكافية من النوم. رصد العوارض والعلامات المؤشرة إلى النحافة، مثل فقدان الشهية، ونقص الوزن التدريجي المستمر، وتكرار حدوث الأمراض، والتعب غير المبرر. إن الأهل على حق في أن يخافوا من نحافة أطفالهم لأنها قد تكون مصدر تهديد فعلي لصحتهم وقوتهم، خصوصاً إذا ما تمخضت عنها قلاقل هرمونية ومناعية وأمراض تعرقل عملية البناء والنمو، من هنا يجب العمل على تحديد هوية الأسباب التي تقف وراء نحافة الأطفال من أجل إيجاد الحل المناسب بسرعة لتفادي الوقوع في المحظور. ولكن مهلاً، فعلى الأهل الذين ينشغل بالهم كثيراً في شأن نحافة أطفالهم، أن لا يقلقوا بتاتاً ما دام الطفل ينعم بصحة جيدة، ولا يصاب بالأمراض في شكل متكرر، ولا يعاني من تغيرات سلوكية، ويقوم بواجباته الحياتية والمدرسية كباقي رفاقه. اضطراب وجهل يختلف السبب الكامن وراء نحافة كل طفل اعتماداً على عمره، فالأطفال الذين تقل أعمارهم عن شهر واحد قد تنتج نحافتهم إما عن صعوبة المص أثناء الرضاعة، سواء كانت طبيعية أو صناعية، وإما من المعاناة من اضطراب مرضي يؤثر على امتصاص العناصر الغذائية في أمعاء الطفل، وإما بكل بساطة من جهل الأم بكيفية إطعام وليدها كماً ونوعاً، وفقاً للمرحلة العمرية وحاجة الطفل. أما الأطفال الأكبر سناً والذين هم على أعتاب المراهقة، فقد يكون السبب وراء نحافتهم الإصابة بأحد اضطرابات الطعام المرافقة للاضطرابات النفسية، إذ يسعى هؤلاء، بشتى الوسائل، إلى إنقاص أوزانهم بهدف الوصول إلى القد المياس. [email protected]