إن من الملاحظ في السنوات الأخيرة ارتفاع متوسط أوزان الرجال والنساء، وذلك بسبب زيادة الإقبال على تناول الأغذية الغنية بالدهون والنشويات، و قلة ممارسة الأنشطة الرياضية والبدنية، ورغم أن البعض لديهم الاعتقاد بأن زيادة الوزن هي زيادة في الصحة والقوة، بينما البعض الآخر لايعير لزيادة الوزن أي اهتمام، فلماذا يهتم بزيادة وزنه طالما أن صحته جيدة، ولكن الواقع أن زيادة الوزن مشكلة بحد ذاتها، فزيادة الوزن تعني زيادة احتمال الإصابة بمشاكل صحية خطيرة مثل مرض القلب والسكتة الدماغية والسكري وبعض أنواع السرطان، إضافة إلى زيادة الضغط على الركب والظهر، وقد تتفاقم الحالة إلى الفشل الكلوي والإصابة بالعمى. بينما نجد أن الوزن الصحي يؤدي إلى المزيد من الحيوية وسهولة ممارسة الأنشطة الرياضية واستقرار ضغط الدم وانخفاض احتمالية الإصابة بالأمراض. إلا أن هذا لا يعني أن نصاب التطرف في عدم تناول الوجبات الغذائية، حيث من الجهة الأخرى نجد أن بعض الأشخاص يتسمون بالنحافة الشديدة والتي تشكل خطورة على الصحة، إلى درجة المبالغة في خفض تناول السعرات الحرارية التي يحتاجها الإنسان للمحافظة على الأداء الطبيعي لوظائفه الحيوية، ويتأثر الأطفال والمراهقون بدرجة أكبر، فالذين يعانون من نقص التغذية قد لايحصلون على قدر كاف من العناصر الغذائية للحصول على الطاقة والعناصر الغذائية اللازمة للنمو أو التطور المرحلي، وقد يتسبب أيضا في سرعة الإرهاق والعصبية وقلة التركيز، إضافة إلى متاعب صحية عديدة أهمها ضعف المناعة وعدم القدرة على مقاومة العدوى. أسباب فقد الشهية قد يفقد البعض شهيته عن تناول الغذاء لأسباب عديدة منها: المرض والألم والإرهاق والاكتئاب والضغوط والتوتر وتناول بعض العقاقير إضافة إلى عوامل أخرى مثل عدم القدرة على تحمل الطعام في المعدة أثناء المرض، وقد تؤثر الضغوط النفسية بشكل كبير على الرغبة في تناول الطعام، ويتأثر مقدار شهيتنا للطعام بمركز المخ، الذي يعطي إشارة بعدم الإحساس بالجوع رغم حاجة الجسم إلى تناول الغذاء، لذلك يجب اللجوء إلى التعامل مع هذه الحالة بأن يتم تناول الوجبات بالمواعيد بدلا من ارتباطها بالجوع، والاستفادة عند تحسن المزاج وانفتاح الشهية في تناول السعرات الحرارية والعناصر الغذائية التي يحتاجها الجسد. أهمية تفهم مشاكل تناول الغذاء "سعاد" فتاة في التاسعة عشر من العمر، شديدة النحافة وهي ترتدي ملابس بمقاسات صغيرة جدا، ورغم نحافتها الشديدة إلا أنها تعتقد أنها سمينة، ورغم أنها تحب الطبخ وتتفنن في صنعه، إلا أنها نادرا ما تأكله، وتتعذر دائما بأنها ليست جائعة، وربما تحاول الكذب للهرب من تناول الوجبات بقولها إنها قد تناولت بعض الطعام قبل قليل وتحس بالشبع، أما الفتاة "منال" البالغة من العمر سبعة عشر عاما فهي في حرب دائم مع الغذاء، فهي تتبع حمية غذائية غير منتظمة، فتتجاهل تناول وجبتي الإفطار والغداء كي تخسر جزءاً من وزنها، و عند نهاية النهار تكون في شدة الجوع، فتبحث عن وجبة كبيرة تلتهمها دون توقف، بعدها تحس بالذنب نتيجة تناولها تلك الوجبة الكبيرة، ومع زيادة قلقها تبحث عن حل سريع خوفا من ارتفاع وزنها فتجبر نفسها على التقيؤ. إن حالة "سعاد" و "منال" هي حالات مرضية متكررة، وكلاهما يعانيان من مشاكل في تناول الغذاء، وهي مشاكل تؤثر بشكل كبير على الصحة وربما تؤدي إلى الموت، إن "سعاد" تعاني من حالة مرضية لاشتهاء الطعام تُعرف هذه الحالة باسم "انوركسيا نرفوزا" أي أن لديها هاجساً بتحديد كمية الطعام الذي تتناوله، وبما أنها تأكل القليل جدا وتمارس تمارين رياضية بهدف تنحيف وزنها فإنها ضعيفة الوزن، ويؤثر ذلك على مستويات الهرمونات في جسمها وربما توقفت دورتها الشهرية، ورغم أن هذه المشكلة تتواجد بين الذكور والإناث، إلا أنها أكثر شيوعا لدى الإناث خاصة الفتيات المراهقات، وربما تصاب بعض الفتيات الصغيرات ابتداء من سن الثامنة. ومع أن الفتيات المصابات بالانعدام المرضي لاشتهاء الطعام يكن نحيلات جدا في أغلب الأحيان، إلا أن هناك حالة أخرى من المصابات بالشهية المرضية للطعام والتي يطلق عليها "بوليميا" مثل حالة "منال" التي تكافح بصورة خاطئة لخفض وزنها ، حيث يلاحظ في الغالب سرعة تقلب الوزن بين النحافة والسمنة، ويصاحبها تقلب الحالة بين فترات من الجوع الشديد وفترات من التهام الطعام، ويتبع حالات التهام الطعام محاولات التخلص من الطعام الذي تناولنه وذلك إما بالتقيؤ أو بأخذ المسهلات أو ممارسة الرياضة بطريقة مبالغ بها جدا. بلاشك فإن مشاكل تناول الغذاء شديدة التعقيد، وتُعزى المشكلة جزئيا إلى وسائل الإعلام التي تُعطي انطباعا بأن المرأة الجميلة والمثالية هي المرأة النحيفة، لذلك نلاحظ أن النساء يعانين أكثر من الرجال، ويحاولن أن يكن نحيفات كي تنطبق عليهن تلك الصورة، إضافة إلى أن سن المراهقة مرحلة يشتد فيها اهتمام الفتيات بأوزانهن ومظهرهن، رغم أن هذه الفترة لاتساعدهن كثيرا في ذلك، حيث ترتفع الاحتياجات الجسمية مما يترتب عليها ضرورة تناول الوجبات عن الفترة التي تسبقها وذلك لمواكبة نمو الجسم وانتقال الفتاة إلى مرحلة البلوغ، وتزداد مشكلة زيادة وزن الفتيات عندما لايمارسن التمارين الرياضية بما فيه الكفاية، فالفتاة تفقد الاهتمام بالرياضة في هذه المرحلة وتقل نسبة الحركة والنشاط عن المرحلة السابقة، وتتضافر كل هذه العوامل للضغط على الفتيات للجوء إلى محاولات لتخفيف أوزانهن، وربما يؤدي إتباع بعض الطرق إلى مخاطر صحية. إن من المهم عدم لجوء العائلة والأصدقاء في زيادة حالة الفتاة سوءا بتوجيه ملاحظات جارحة أو مثيرة، أو تقديم الاجتهادات الشخصية والنصائح دون خلفية علمية أو وعي لحجم المشكلة، فالآثار الجسمية والنفسية عند المصابين بحالة "انوركسيا نرفوزا" و "البوليميا" يمكن أن تكون شديدة الخطورة، وقد تؤدي إلى الوفاة، لذلك فإن من المهم احترام هذه الحالة المرضية وإعطاؤها قدرا من الاهتمام، وإذا اعتقد الوالدان أن أحد أبنائهما يعاني من مشكلة في الأكل فعليهما سرعة استشارة الطبيب، فمثل تلك الحالة تتحسن بشكل أفضل عند معالجتها في مراحلها المبكرة.