يعود اسم الشاعرة السوريالية جويس منصور (1928 - 1986) إلى الواجهة مع افتتاح المعرض الذي خصصه لها «متحف كي برانلي» في باريس، ويعرّف بمسيرتها كشاعرة استثنائية جاءت من مصر وارتبطت بعلاقات صداقة متينة مع أبرز الكتّاب والفنانين السورياليين، وأوّلهم عراب السوريالية أندريه بروتون. ومعروف أن «متحف كي برانلي» الذي تأسس بمبادرة من الرئيس الفرنسي جاك شيراك هو متحف مخصص للفنون الأولى، ومنها الفنون الأوقيانية والإفريقية وفنون القارة الأميركية قبل أن يكتشفها كولومبس. أما لماذا تم تخصيص معرض عن جويس منصور في هذا المتحف بالتحديد فذلك لأنها أثناء إقامتها الباريسية، بعد مغادرتها مصر عام 1956، كانت من هواة اقتناء المنحوتات الأوقيانية، وكان يرافقها في هذا الشغَف زوجها رجل الأعمال المصري سمير منصور. وكانت تعرض هذه المنحوتات في منزلها الفخم في العاصمة الفرنسية. واليوم يمكن التعرف على جزء من هذه المجموعة في المعرض المخصص لها في «متحف كي برانلي». لا بد من التذكير أنّ من أهداف «متحف كي برانلي» تأكيد فكرة المساواة بين الثقافات وإظهار القيم الفنية المميزة لفنون كانت تسمى في السابق فنوناً متوحشة. ومن المعروف أن رواد الفن الحديث والمبدعين السورياليين عند مطلع القرن العشرين كانوا من الذين التفتوا إلى هذه الفنون وأدركوا قيمها الجمالية والروحية الهائلة وما تعكسه من علاقة فريدة مع الطبيعة وطقوس الموت والحياة. بدأ الاهتمام الفعلي بنتاج جويس منصور بعد وفاتها (توفيت بعد صراع مع مرض السرطان وهي دون الستين من عمرها)، وقد أصدرت دار «آكت سود» عام 1991 كتاباً جمعت فيه كتاباتها وقصائدها. وبعد صدور هذا الكتاب أعيد اكتشاف هذه الشاعرة التي لعبت دوراً أساسياً في الحركة السوريالية بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد بين عامي 1953 - 1966. ويعرف القرّاء العرب جويس منصور لأنها كانت في مصر من أصدقاء الشاعر السوريالي المصري جورج حنين، مؤسس «جماعة الفن والحرية»، وهو كان من المعجبين بكتاباتها وشجّعها على النشر. كما أنّ قصائدها قد نقلت إلى العربية، ومن الذين قاموا بترجمتها الشاعر العراقي عبد القادر الجنابي. تقتضي الإشارة إلى أنّ أكثر الذين شجّعوا جويس منصور على اقتناء هذه التحف صديقها أندريه بروتون، وكان يرافقها أيضاً أثناء بحثها عن القطع النادرة. ونشاهد في المعرض فيلماً يتضمّن شهادات من ابنها سيريل منصور ومن الكاتبين جان جاك لوبيل وجان كلود سيبيرمين اللذين كانا من أصدقائها المقربين. ومن الأمور التي يكشف عنها المعرض أن تعلقها بالفنون جاء مكمّلاً لمشروعها الإبداعي ككاتبة. وكما بقية الفنانين والكتاب الذين تحلقوا حول السوريالية، ومنهم ماكس إيرنست وهنري ميشو وروبرتو ماتا، كانت جويس منصور على عداء مع المفاهيم الكلاسيكية للجمال المتوارثة منذ قرون في الثقافة الأوروبية. لقد أرادت أن يكون شعرها متحرراً من كل القيود وتميّزت كتاباتها بجرأتها الكبيرة. قصائد تعبّر عن الصدمة والفضيحة، وقد عكست مواجهتها للموت، وكانت لا تزال في الخامسة عشرة من عمرها، إثر وفاة والدتها بالسرطان، ثم وفاة زوجها الأول هنري نجار ولم يكن قد مضى على زواجهما ستة أشهر، وكانت هي في الثامنة عشرة من عمرها. من الأمور التي يكشف عنها المعرض أن جويس منصور لم تكن فقط تهوى جمع التحف الأوقيانية واللوحات الحديثة والمعاصرة، بل كانت تقوم أيضاً بصناعة بعض الأدوات والتجهيزات الفنية من دون أن تدّعي أنها نحاتة أو رسامة، وتضعها على رفوف مكتبتها او بالقرب من المنحوتات الأوقيانية في منزلها حيث كانت تنظّم باستمرار اللقاءات الثقافية والفنية التي تجمع مبدعين من مختلف الاتجاهات. أخيراً وبمناسبة المعرض، صدر عن دار «فرانس أومبير» كتاب عن سيرة جويس منصور بعنوان «حياة سوريالية، جويس منصور المتواطئة مع أندريه بريتون»، من تأليف زوجة ابنها سيريل، وتدعى ماري فرانسين منصور. الكتاب خلاصة أطروحة دكتوراه أعدتها الباحثة عن جويس منصور وقد روت فيه طفولتها في مصر وزواجها من رجل الأعمال سمير منصور الذي اشترط عليها الحديث والكتابة بالفرنسية بعد أن كانت في بداياتها تكتب بالإنكليزية. كذلك تتوقف المؤلفة عند علاقتها الاستثنائية بأندريه بريتون والرسائل المتبادلة بينهما والصدمة التي عاشتها بعد وفاته عام 1966. كذلك يكشف الكتاب أنها رغم قربها من السورياليين فهي لم تشاطرهم مواقفهم السياسية. لقد كانت دائماً، ومنذ تفتّحها في مصر، بعيدة من السياسة، وما كان يعنيها في المقام الأول هو الثورة الشعرية ومحاولة تدجين الموت الذي رافقها منذ الطفولة.