مع بدء العد التنازلي لمؤتمر جنيف حول سورية، يبدو أن دور «المجاهدين الاوروبيين» قد وصل الى نهايته، فجهاز الامن والاسلام الرسمي خرجا بموقف واحد في الايام الاخيرة يحرّم الذهاب الى سورية باسم «الجهاد». وقد ترافق ذلك منذ 5 كانون الاول (ديسمبر) الجاري مع تحرك الاتحاد الاوروبي في شكل رسمي، والذي يعترف الآن بوجود ألف مقاتل من دوله في سورية، للتنسيق مع دول البلقان التي يقدّر عدد المقاتلين الموجودين منها في سورية بحوالى 500 معظمهم من البوسنة وكوسوفو. مفتي كوسوفو وابنه في كوسوفو كان من الملاحظ أن الحكومة والمشيخة الاسلامية (التي تمثل الاسلام أمام الدولة) حافظتا على موقف واحد مشترك يتمثل بالصمت إزاء ما تنشره وسائل الاعلام الكوسوفية حول ذهاب عشرات الكوسوفيين الى سورية للقتال منذ 2012. وعلى رغم تصاعد الانتقادات لصمت الحكومة والمشيخة خلال 2013، كان من الملاحظ ان «الصمت المطبق» للحكومة والمشيخة كان يصب في تشجيع المزيد من الشباب على الذهاب الى سورية للقتال مع المنظمات التي تصنف انها «ارهابية» ك «جبهة النصرة» وغيرها. وقد فسّر هذا «الصمت المطبق» تغريدة لحارث ترنافا ابن مفتي كوسوفو الشيخ نعيم ترنافا على صفحات التواصل الاجتماعي يتمنى فيها ان يذهب الى سورية «لكي يسقط شهيداً». جاء هذا في الوقت الذي كان فيه الوالد المفتي يسعى الى تغيير دستور المشيخة الاسلامية لكي يعاد انتخابه للمرة الثالثة، وهو ما نجح فيه قبل أسابيع بعد التخلص من رئيس المجلس الاعلى للمشيخة جابر حميدي المعروف باعتداله، والذي كان يعارض بشدة تجنيد الشباب الكوسوفيين للذهاب الى سورية وتغيير الدستور الذي كان ينصّ على فترتين فقط للمفتي. الموقف تغير الآن بعد تحرك بروكسل. ففي الوقت الذي سرّبت فيه وسائل الإعلام الكوسوفية أن أجهزة الامن بدأت توقف في مطار بريشتينا «المجاهدين» العائدين الى موطنهم وتحقق معهم، في انتظار إصدار قانون يجرّم مشاركة الكوسوفيين في نزاعات مسلحة في الخارج، خرج الشيخ نعيم في 7 كانون الاول (ديسمبر) بموقف مفاجئ يقول ان «الذهاب الى سورية والموت هناك لا يعني الشهادة» ويحضّ الشباب الكوسوفيين على عدم الذهاب الى سورية لأن «سورية ليست البلد الذي يحرز فيه المرء الشهادة... لأن القتال هناك بين الاطراف المختلفة إنما يجري لمصالح شخصية». من جمهورية البوسنة الى دولة «داعش» في الوقت ذاته، لوحظ أن جمهورية البوسنة والهرسك أخذت تبعث رسائل رسمية حول متابعة أجهزة الامن لما يجري في البوسنة من حشد الشباب وتجنيدهم للذهاب الى سورية. ففي مقابلة مع وزير الامن البوسنوي فخرالدين رادونتشيتش مع جريدة «نزفسنه نوفينه» (19/12/2013)، اعترف الوزير بأن «الذهاب الى سورية لا يتم في شكل عفوي» وهو «ما تقوم الآن بمتابعته أجهزتنا الاستخباراتية». وفي رده على سؤال حول إذا ما كانت هناك مراكز خارجية تقوم بتجنيد هؤلاء الشباب، رأى الوزير ان هناك دافعين لذهاب الشباب (ايديولوجي ومادي)، وأوضح تأثير الاوضاع الصعبة في البوسنة بالقول: «المنطق يقول إن أي مال لا يقنع أية أم على أن تترك أولادها يغادرون البوسنة ليشاركوا في أية حرب. ولكن هذا ما يحدث. إن اجهزتنا تعرف من ينظّم ذلك، وهم تحت مراقبة أجهزتنا». ويذكّر هذا بالتغيير المفاجئ الذي حدث في 1995 حين كانت السلطات البوسنوية تغض الطرف عن «المجاهدين» القادمين من البلاد العربية للقتال في البوسنة ثم أصبحت تعتبرهم «ارهابيين» بعد مؤتمر السلام في دايتون، وتم ترحيلهم باستثناء من تزوج ببوسنوية واكتسب الجنسية في شكل قانوني. وقد تصادف تصريح وزير الامن هذا مع تزايد ما تنشره الصحافة البوسنوية عن حالات لشباب غادروا البوسنة الى سورية للقتال هناك مع «جبهة النصرة» أو مع «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش). ومن هذا ما نشرته الجريدة البوسنوية المعروفة «دنفني أفاز» (17/12/2013) عن الشاب أنس مجيتش الذي كان على وشك التخرج في قسم اللغة الانكليزية في كلية التربية في بيهاتش (شمال غربي البوسنة) في ايلول (سبتمبر) الماضي حين اختفى فجأة وظهر بعد ذلك انه يقاتل في سورية مع «داعش» بعد أن تلقب ب «أبو صلاح الدين المهاجر». وعرفت اسرته من خلال شبكات التواصل الاجتماعي أنه تزوج بعقد «شرعي» على بوسنوية (ادينا مولاليتش) ظهرت معه مسلحة في أحد مقرات «داعش» بالقرب من حلب. ويقول عارفوه انه كان طالباً جاداً ومهووساً ب «نظرية المؤامرة العالمية»، ثم فجأة انتابته الرغبة في أن يقاتل لينال «الشهادة». وقد ارتبط ذلك بعمله التطوعي في جمعية «سوليدارنوست» (التضامن)، حيث كان يعمل في الترجمة باعتباره طالباً في قسم اللغة الانكليزية. وتقول الرواية الشائعة انه ذهب مع زوجته الى تركيا بناء على وعد بمنحة دراسية في تلك الدولة، ولكن لا أحد يعرف ماذا حدث وكيف ذهب الزوجان من تركيا الى شمال سورية. واضح ان ما ترويه الأسرتان المصدومتان بذهاب أنس وأدينا يحيل الى ما ذكره وزير الامن البوسنوي عن اختلاط ما هو ايديولوجي بما هو مادي في الدوافع التي حدت بمثل هؤلاء الى الذهاب للقتال في سورية. فوالدة ادينا تقول عن ابنتها انها لو كانت حصلت على العمل الذي درست لأجله وتستحقه (مدرّسة) لما كانت ذهبت الى سورية. أما والدة أنس المطلّقة التي تعيش وحدها الآن، فمشكلتها أكبر لأنها كانت تنتظر من ابنها أن يتخرج في الجامعة في ايلول الماضي ويعمل ليكون عوناً لها، ولكنها فوجئت بصوره يحمل السلاح ليقاتل من اجل دولة لم تسمع بها (داعش).