موضوعان متداخلان شغلا الرأي العام في كوسوفو خلال الشهور الأخيرة، هما تصاعد الإسلام المتشدد/ السياسي وتزايد عدد الشباب الكوسوفيين الذاهبين إلى سورية للقتال هناك باسم «الجهاد» بينما كانت الحكومة، مثل النعامة، تدفن رأسها في الرمال وكأن الأمر لا يعني كوسوفو. ولكن الأمر تغير فجأة في الأيام الأخيرة، بعد أن وافقت بروكسيل على التفاوض مع كوسوفو لتوقيع اتفاقية الاستقرار والشراكة مع الاتحاد الأوروبي التي تلزمها بتنسيق سياستها الأمنية مع بروكسيل التي فتحت بدورها فجأة ملف المشاركين من دول الاتحاد الأوروبي ومن دول البلقان (الساعية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي) في القتال الدائر في سورية سواء بين المعارضة المسلحة والنظام، أم بين الجماعات الإسلامية المتشددة («جبهة النصرة» و «داعش») وفصائل المعارضة الأخرى. كوسوفو ليست سورية مع أن الرئيس السوري بشار الأسد، كان اتهم في حديث له مع «قناة 24» الروسية (16/5/2012) المعارضة «بالتوجه إلى كوسوفو للتدرب عسكرياً هناك»، وذلك بعد زيارة وفد من المعارضة السورية كوسوفو للاطلاع على «تجربة كوسوفو» في ذروة الحماسة ل «التدخل العسكري» الذي كان يطالب به المجلس الوطني، إلا أن وزير الخارجية الكوسوفي أنور خوجا لم يقصّر بالمقابل في إطلاق تصريحات ضد نظام الأسد وتأييد التحرك المعارض لإسقاط هذا النظام، مع تأكيده التشابه بين حالتي كوسوفو وسورية. ولكن ما تغيّر في مواقف الاتحاد الأوروبي إزاء ما يجري في سورية، أخذ ينعكس على كوسوفو بطبيعة الحال. وفي هذا السياق كان من الملاحظ أن الندوة الدولية الدورية التي تقيمها وزارة الخارجية الكوسوفية كل عام، وخصصت هذا العام لموضوع «التدخل الإنساني وبناء الدولة في كوسوفو وغيرها»، جاءت بنتائج تخالف ما كانت هذه الوزارة تقوله حتى الآن. فقد أدار هذه الندوة التي عُقدت في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم، الكاتب البريطاني المختص في البلقان تيم جوده وشارك فيها رئيس الحكومة الكوسوفية هاشم ثاتشي وغيره، وانتهت النقاشات إلى النتيجة التي وضعتها الجريدة الكوسوفية الأولى «كوها ديتوره» في صفحتها الأولى «كوسوفو وسورية حالتان لا تقارنان» (عدد 22/11/2013). ولم تمضِ أيام على هذا «الاكتشاف» حتى تصدّر الصحافة الكوسوفية «اكتشاف» أهم ألا وهو اعتراف وزارة الخارجية الكوسوفية بعد صمت طويل بأن «الإسلام السياسي أصبح خطراً يهدد كوسوفو». فقد كشفت الجريدة الكوسوفية الثانية من حيث الانتشار «زيري» (عدد 26/11/2013) وثيقة لوزارة الخارجية الكوسوفية في عنوان «التحديات الأمنية والأخطار» كانت الأساس لمداخلة وزير الخارجية أنور خوجا أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الكوسوفي في 25 تشرين الثاني المنصرم». وشكّل هذا «الاكتشاف» مفاجأة لجهة ترتيب أوليات الأخطار التي تهدد كوسوفو، إذ إن الإسلام المتشدد/ السياسي جاء في المرتبة الثانية بعد الخطر المتمثل في الجيب الصربي في الشمال الذي يرفض الاعتراف باستقلال كوسوفو. فهذا «الخطر» كان يشار إليه باستمرار في السنوات الأخيرة التي ترافقت مع اندلاع الحرب في سورية واستغلال الإسلام المتشدد/ السياسي لذلك في تجنيد مئات الشبان الكوسوفيين للمشاركة في القتال هناك باسم «الجهاد»، ولكن وزارة الخارجية بقيت صامتة بامتياز حتى الآن. واللافت الآن في هذه الوثيقة الإشارة إلى «دعم خارجي» في كوسوفو من دون تسمية أي جهة بسبب الحساسيات: «إن هذا الخطر لا يمكن أن يكون قائماً لولا الدعم الذي يحظى به من خارج الحدود»، ولذلك «نطالب بعلاقات جيدة مع جيراننا ومع الدول الأخرى القلقة من التطرف الديني والسياسي». وتنتهي الوثيقة إلى الاعتراف بأن «الجماعات المتطرفة، المرتبطة بأجندة سياسية ودينية، مترابطة في ما بينها ونشطة الآن». ومن الطبيعي أن تكون إسرائيل على رأس «الدول القلقة من التطرف الديني»، ولذلك لم يكن من المستغرب، في 4 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، أن يقوم وزير الخارجية نفسه بافتتاح «أسبوع الفيلم الإسرائيلي» في بريشتينا عوضاً عن وزير الثقافة مملي كراسنيتشي الذي يُعرف بتوجهاته الإسلامية. بروكسيل تتدخل وتوجت هذه التطورات في 5 كانون الأول الجاري بتحرك بروكسيل لوضع حد لمشاركة الأوروبيين في القتال الدائر في سورية سواء من دول الاتحاد الأوروبي، أم من دول البلقان الساعية للانضمام إليه. فقد كُشف عن أن مسؤول محاربة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دي كرشوف يستعد لمواجهة وزراء داخلية دول الاتحاد في اجتماعهم المقبل بأخطار «التهديد الكبير للأمن» الذي يمثله وجود المقاتلين الأجانب في سورية، بخاصة من دول الاتحاد ودول البلقان في صف الجماعات الإسلامية المتشددة («جبهة النصرة» و «داعش»)، ودعوته إلى تعاون أوسع مع تركيا التي يتسلل عبرها العدد الأكبر من هؤلاء المقاتلين. ونقلت الجريدة الكوسوفية الواسعة الاطلاع «كوها ديتوره» عن مسؤول في الاتحاد الأوروبي رفض الكشف عن اسمه لحساسية الموضوع، أن هناك حوالى ألف مقاتل من دول الاتحاد الأوروبي، وحوالى 500 من دول البلقان (بخاصة من البوسنة وكوسوفو) يشاركون في القتال الدائر في سورية الآن. وفي ما يتعلق بكوسوفو أضاف هذا المسؤول: «هناك ما بين 80 و200 مقاتل من أصل مليوني نسمة» (عدد 5/12/2013).