قبل 80 عاماً كان هناك 14 طالباً سعودياً على موعد مع رحلة دراسية على حساب الدولة، وذلك باتجاه مصر لدراسة علوم الشرعية واللغة العربية، إضافة إلى الطب والزراعة، كان ذلك تحديداً عام 1927، أي قبل توحيد المملكة بكاملها، في صورة تعكس مدى الاهتمام باكتساب العلوم والمعارف منذ ذلك الوقت، واليوم هناك نحو 150 ألف طالب وطالبة يستفيدون من برنامج الابتعاث في عدد من الدول. تقول بعض المراجع إن الابتعاث الحكومي على مستوى المملكة، مرّ في بداياته بمراحل عدة، أولها كانت عام 1927، ثم عام 1936 حينما تم ابتعاث عشرة طلاب إلى مصر أيضاً، تبعتها مرحلة ثالثة للدولة ذاتها كانت عام 1942 باتجاه مصر ولبنان، ثم مرحلة رابعة تلتها بعامين، لتتوسّع المملكة بعد ذلك في الابتعاث، وتمتد لتصل إلى الولاياتالمتحدة الأميركية ودول أوروبا في تخصصات مختلفة ما بين الإنسانية والعلمية. الابتعاث الخارجي في السعودية لم يتوقف، إلا أن ثمة تساؤلات تظهر حول مدى تأثيره، وأسباب مواصلته على مدى الأعوام ال80 الماضية، فالبعض يجد أن الابتعاث يعدّ عملية موقتة، تهدف إلى اكتساب المعارف في مجالات معينة، وبالتالي توظيفها في الوطن بعد العودة، انطلاقاً من كون المفترض يكمن في الاستفادة من تجارب الدول المتقدّمة على المستوى التعليمي والعمل على تطبيقها محلياً، ليتمكن الطلاب والطالبات من نهلها، في حين يجد آخرون أن تطوّر العلوم واهتمام بعض الدول بها يتطلّب استمرار عملية الابتعاث للتعرّف أكثر على تلك العلوم. عدد من الدول أوقفت برامج الابتعاث الحكومي لأبنائها، بحجة أنها حققت شيئاً من الاكتفاء العلمي الذي أتاح لها أن تُصبح من الدول التي تفد إليها جنسيات عدة لغرض الدراسة، يأتي بينها اليابان قبل عقود طويلة وماليزيا. في عام 1957 تم تأسيس أول جامعة سعودية، وهي جامعة الملك سعود في الرياض، تبعتها الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة عام 1961، فجامعة الملك فهد للبترول والمعادن عام 1963، ليتوالى بعد ذلك تأسيس الجامعات حتى وصلت اليوم إلى 30 جامعة تشمل عدداً من المدن والمحافظات. في جميع الجامعات السعودية، يتم تفعيل الابتعاث الخارجي للمعيدين والمعيدات ممن يكملون دراسة مرحلة البكالوريوس بتقدير مميّز، إذ تبتعث تلك الجامعات المئات من خريجيها بهدف مواصلة الدراسات العُليا والعودة للتدريس، وفي مقابل ذلك يتواصل خلال أكثر من 8 أعوام برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي تُشرف عليه وزارة التعليم العالي، إذ تبتعث الوزارة سنوياً ما يزيد على 20 ألف طالب وطالبة إلى دول عدة، في تخصصات الطب والهندسة والقانون والمحاسبة وغيرها، ضمن مراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، فبحسب الوزارة فإن عدد الطلاب والطالبات الذين يواصلون تعلميهم حالياً يصل إلى 150 ألفاً يتوزعون في 26 دولة. واعتبر العضو في مجلس الشورى الدكتور موافق الرويلي أن الابتعاث أحد روافد التعليم التي يجب أن تتواصل، لكنه يبدي تحفّظه على آلية برنامج الابتعاث الخارجي، وتحديداً على مستوى مرحلة الدراسات العُليا، فالرويلي لا يجد ضرورة للابتعاث في هذه المرحلة، إلا إذا كان من طريق إحدى الجامعات أو المراكز البحثية أو الجهات التي تحتاج إلى حاملي الدراسات العُليا في تخصصات معينة. ويقول في حديثه إلى «الحياة»: «الابتعاث يسهم في اكتساب تجارب عالمية ويجلب المعرفة في تخصصات عدة، لكن آلية برنامج الابتعاث تسبّبت في وجود عدد ممن يحملون شهادات الدراسات العُليا عاطلين عن العمل، لكن في كل الأحوال نجد أن أثر الابتعاث واضح، لكونه يساعد في إنتاج كفاءات يسهمون في النهضة التعليمية والمعرفية في الوطن». ويرى أن الابتعاث ليس فقط بالمعرفة العلمية، وإنما تبادل ثقافي وتجارب واحتكاك ثقافي، «فالطالب الذي يعيش في جامعة خارجية فترة من الزمن يكتسب أموراً كثيرة، إضافة إلى المعرفة العلمية».