انحسرت العاصفة الثلجية «ألكسا» عن لبنان بدءاً من أمس، لكن بقيت آثارها الفاضحة على أوضاع النازحين السوريين الذين كشفت الثلوج والأمطار المآسي التي يعيشونها في مواقع التهجير، لا سيما في شمال لبنان وشرقه. وفي وقت لم ينحسر التأزم السياسي الداخلي مع العاصفة، وتصاعدت التحذيرات من قوى 8 آذار لرئيس الجمهورية ميشال سليمان من توقيع مرسوم تشكيل حكومة تخالف الصيغة الوحيدة التي طالبت بها، أي 9 وزراء لها و9 لقوى 14 آذار و6 وزراء للوسطيين، تزامن انكشاف ضعف الدعم الدولي للبنان في معالجة مشكلة النازحين في ظل العاصفة التي ضربت لبنان والمنطقة، مع زيارة رئيس الوزراء الإيطالي إنريكو ليتا لبيروت والذي تسنى له معاينة أحد مراكز النازحين السوريين والفلسطينيين في مخيم برج البراجنة في ضاحية بيروت. وأعلن ليتا الذي التقى سليمان ورئيسي البرلمان نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أن الزيارة أتاحت له الاطلاع على وضع النازحين، مذكراً بأن بلاده قدمت 50 مليون دولار لنشاطات الأممالمتحدة لمساعدة هؤلاء، واعداً بالعمل مع الاتحاد الأوروبي وعلى صعيد الأممالمتحدة «لكي نرفع الصوت ونقول إنه لا يمكننا أن نترك لبنان وحيداً». وتفقد ليتا الكتيبة الإيطالية العاملة في إطار قوات «يونيفيل» في جنوبلبنان. وفيما أعلن ميقاتي وليتا أن إيطاليا ستدعو الى مؤتمر دولي من أجل دعم وتمكين الجيش اللبناني والقوى الأمنية للقيام بمهماتها الأمنية، وبما يسمح بتدريب القوات المسلحة اللبنانية، في سياق توصيات مجموعة الدعم الدولية للبنان، فإن سليمان شدد في لقائه مع ليتا على أهمية التزام المجتمع الدولي مبدأ تقاسم أعباء النازحين. وفي مواجهة عجز الدولة اللبنانية وقصور المساعدات الدولية عن إيواء النازحين السوريين الذين نقلت محطات التلفزة ما تعرضوا له في العاصفة من اقتلاع لخيمهم أو تحول بعض مخيماتهم برك مياه مع فقدانهم وسائل التدفئة، برزت تحركات نشطاء من المجتمع المدني جمعوا في نداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي في اليومين الماضيين مساعدات وألبسة ووسائل تدفئة، بما يفوق مليون دولار تحت عنوان: «أنا لست سائحاً». وستوزع اليوم على نازحين في البقاع، فيما سارعت «الحملة الوطنية السعودية لنصرة الأشقاء السوريين» الى تقديم مساعدات للاجئين في بعض المناطق الشمالية ضمن سلة «كسوة الشتاء»، بينما واصلت هيئات المجتمع المدني في بعض الأرياف تقديم المساعدات للنازحين الذين كشفت العاصفة المزيد من المآسي التي يعانون منها. على الصعيد السياسي، أعلن رئيس الوزراء الإيطالي الذي استفسر عن الأزمة السياسية في لبنان من الرؤساء الثلاثة الذين التقاهم، أن «بلاده تأمل التوصل الى حلول في أقرب فرصة»، مؤكداً «دعمنا الكامل للمؤسسات اللبنانية». وقالت مصادر مطلعة إن زيارة ليتا تعكس اهتماماً أوروبياً بمتابعة التأزم في لبنان وانعكاس تصاعد الأزمة السورية عليه، في ظل الحرص الدولي على استقراره وعدم تفاقم أوضاعه السياسية، خصوصاً أن العديد من الأوساط يأمل بأن يؤدي عقد مؤتمر «جنيف 2» حول الأزمة السورية والذي يفترض أن يرسم خريطة طريق للحل السياسي لها، الى مناخ إقليمي دولي لمصلحة احتواء التأزم اللبناني. وتقول مصادر سياسية معنية بتجاوز الفراغ الحكومي إن الحملة التي تقوم بها قوى من 8 آذار على رئيس الجمهورية بسبب مواقفه الأخيرة وبحجة أنه سيوافق على تشكيلة حكومة من غير الحزبيين يقدمها إليه الرئيس المكلف تمام سلام، بدعم من قوى 14 آذار وتيار «المستقبل»، هي حملة مفتعلة، على رغم أن سليمان مصر على موقفه عدم ترك سلطات الرئاسة في حال تعذر انتخاب رئيس جديد، للحكومة الحالية المستقيلة، لأنها لا تمثل جميع الفرقاء وليست وفاقية. وتقول مصادر مطلعة على موقف سليمان إن قوى 8 آذار، لا سيما «حزب الله»، مطلعة على موقفه هذا، وأن الحملة عليه في ظل التوهم بأنه يعمل لتمديد ولايته هي حجة واهية وواهمة لأنه لا يريد التمديد وغير مقتنع به ولا صحة لكل ما يقال عن أنه طلبه أو يرغب فيه وأن كل ما يقال هو لخلق ذرائع من أجل تبرير الحملة. وفي وقت رأى غير نائب في قوى 14 آذار أن الحملة على سليمان هي للتهويل عليه، فإن مصادر مقربة من رئيس الجمهورية تؤكد أنه إذا كان السبب نيته الدفع لتأليف حكومة جديدة من الحياديين (الأصدقاء للفرقاء) سواء كانت على قاعدة 9+9+6 أم غيرها، فإنه هو نفسه غير مستعجل، لأنه قد ينحاز الى الرأي الذي يفضل انتظار بعض الاستحقاقات الخارجية لعلها تنعكس إيجاباً على الوضع اللبناني الداخلي وتسهّل تأليف الحكومة العتيدة. وتؤكد هذه المصادر أنه حتى بعض أقطاب قوى 14 آذار يميل الى عدم الاستعجال. وبالتالي فإن هذا يسقط حجة بعض الأطراف التي تقود الحملة على رئيس الجمهورية، لا سيما أن الاتصالات الدائرة بين محيطه وبين «حزب الله» مستمرة، بحيث «لا يمكن الحديث عن مواجهة أو صدام بينه وبين الحزب، بل عن عتب من الأخير على مواقف سليمان الأخيرة، لا سيما بالرد على هجوم الحزب على السعودية، فيما رئيس الجمهورية يعتبر أن من واجبه الدفاع عن مصالح لبنان وعلاقاته العربية في ظل التأزم الإقليمي الحاصل، وأن يؤكد التزام «إعلان بعبدا» بتحييد لبنان عن المحاور الإقليمية لأن التدخل في الأزمة السورية أضر بأوضاعه الداخلية». وتشير مصادر في قوى 14 آذار في المقابل الى أن «اقتراب موعد محاكمة المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري في 16 كانون الثاني (يناير) المقبل يشكل مبرراً لديها كي ترفض الاشتراك مع «حزب الله» في حكومة واحدة، وتصر على حكومة حيادية، ويضاف الى مطلبها انسحاب الحزب من المعارك في سورية».