هوية الجنس الأدبي محكومة بطبيعة المحيط الذي يشهد ولادة النص، وظهور «تويتر» منبراً تواصلياً أتاح للمبدعين فرصة ظهور نتاج كتابي جديد، خاضعاً لشروط الكتابة ومتطلبات التلقي، وقابلاً للتجريب والتكيف مع معطيات العصر التي تحتمل المزج بين الأنواع الأدبية والتداخل بين الأدبي والثقافي والمعرفي واللغوي. وبروز هذا النص المعاصر يمكن اعتباره من أهم منجزات الحداثة. فطبيعة العصر تدعو إلى التعبير الأدبي الموجز والموحي الذي يعتمد على الصورة الشعرية واللغة المكثفة في رصد الموقف الانفعالي، وعندما نتأمل حساب الكاتبة هيفاء العيد التي تميزت تغريداتها بخصوصية أدبية منذ إنشاء حسابها، نجد في تجربتها رؤية مغايرة للحياة والعالم، تعيد إلى الذهن تجربة قصيدة النثر الفرنسية، التي تجلت سماتها في شعر شارل بودلير وجويس منصور والشاعر اللبناني عباس بيضون وغيرهم من الشعراء، الذين تميز أسلوبهم الشعري بالغرائبية والعبث. والكاتبة لم تغفل عن أهمية الإشارة إلى هوية هذا النوع الكتابي الذي تمارسه. إذ وضعت عبارة «للكتابة يد عابثة» في «بايو» حسابها، ومن المهم أن نشير هنا إلى أن عبارة ال«بايو» في «تويتر» تعتبر العتبة النصية الدالة على لغة النص الكتابي الذي يمارسه الكاتب في هذا المنبر. فالعبثية عند الكاتبة تتضح في اللغة والفكرة والرؤية، فليس حساً شعرياً تمارسه هيفاء العيد وحسب عندما تقول: «أبحث عن نص يبعث في القلب نشوة ويشد شَعْر المخيلة لذّة!» إنها تعبّر عن حدس فني دقيق وطموح يليق بإمكاناتها اللغوية وعن ثورتها على الصيغ التقليدية في التعبير، وهاهي تتأمل نوع صنعتها الشعرية أثناء تجريبها فتقول: «أكثر نصوصي التي ولدتُها لا يُعرف لها أباً حتى هذه اللحظة! وهذه التربة حرفي والنص نبت وإنني ماء». هيفاء حفرت بمعول لغتها الجديدة كهوفاً في منطقة الخراب الجميل، فقد دمرت وبنت وأتلفت وابتكرت من جديد. أتلفت الكلمات ونحرت المعنى وحفرت للعبث كهوفاً في صدور العابرين ولم أقل شيئاً! اللغة التي لا تحترم لثغاتي وعثراتي جديرة بالاغتصاب! في رأسي امرأة تسقط دفعة واحدة. كأول الماء، تستل لغة من غمد لامألوف، تفزع الليل تجرح وجه القصيدة وتعانق كل رجال الأرض. أما الصور الشعرية في تجربة الشاعرة فهي أداه صادمة، وقد تبلغ الذروة في غناها البصري من خلال مشهدية شعرية ورؤية عبثية غرائبية، أعطت نصها الجديد خصائص أسلوبها الكتابي المغاير. تقول: «هل لمح أحدكم ظلي المستقيم الأبيض الذي أهداني إياه رجل على هيئة جدار؟ رأيت في ما يرى الناقم أنني امرأة على هيئة شفرة حادت عن خط سيرها ليلاً، فجرحت خد الوقار! ليست يدي بل يدك التي سحبت وجهك القديم ومزقته! أنا كائن خارق الآن، بإمكاني أن أتحول إلى شجرة تنوء بحمل الأزهار، وأن أنجب في ثانية واحدة الكثير من الكائنات الجميلة برأس واحد ووساوس لا حد لها. طويل هو الليل كقامتك، عميق كعينيك، صلب كزندك، لكنما تخرج أصابعي أعضاؤه الناقصة. بفضل سوئي اكتشفت أن لدي القدرة على السقوط من ارتفاع سبع سماوات دون أن أرتطم في الأرض ودون أن يفقدني الهلع متعة رفس الهواء». أما الثنائيات في نصوص الشاعرة فهي تصدم توقعات متابعيها في ثنائية الرجل والمرأة، نقرأ نموذج المرأة الثائرة على الملل والرتابة التي لا تكف عن طلب المزيد من الدهشة «بادلني وجهك، اعبرني فرحاً، وجعاً، أدهشني وبصمت، اقرأني ذهولاً ممتداً، شكّلْني لغة تغوي كل رجال الأرض واكتبني. اكتبني امرأة شريرة، اغرز شيطان أصابعك في صدري، انزعني مني، لوّثني! وإنني لست خائنة ولا ناكثة لعهد شريف، ولكني امرأة لا تخطئ الرغبة، تتجاوز حدود الكلام بمسافة شهوة عمياء وتتقن لغة الغضب السافلة! امرأة من نار يسمع أنين حفائها وهو يمر على صدره، ورجل لا يجيد سوى تبرير البرود! امرأة كثيرة حد المأساة لا تجهر بحراقها وتفصح عن الرماد! مللت كهولة لغتك وتجاعيد أفكارك وتعكّز حرفك، مللت أكون سيدة قصائدك الطاهرة. حان الوقت لتقول ما لا يقولون. فالكلام في الحب قديم بما فيه الكفاية يرغمك على سف تراب الكلمات». أما في ثنائية السوء والنبل بحسب منطقها المعاكس الذي يدعو إلى خلاص العالم أو تدميره، فتقول: «لا يمكنني أن أكون صديقتك، فهذا دور مائل إلى النبل على نحو غير مؤثر، وأنا أنثى لا تجيد سوى الأدوار المستقيمة على نحو غير مؤثر على الإطلاق. أنا لا أكتب، أنا أحاول أن أواجه ذلك الحشد الكافر من الأحلام الكاذبة أن أشارك الملائكة لذة تدوين السيئات». أما مدينتها الفاضلة فهي لا تخلو من ظل شيطان، ولكن شيطاناً يفتح للغة باب الجنة بحسب تعبيرها: «تبدو هذه المدينة سيئة حينما تخلو من ظل شيطان!». * كاتبة سعودية.