ليست الدراما السورية اليوم بأحسن حالاتها. باتت – إلى حد ما - تفتقد المكان والحاضنة التي شكلت لها مرجعية كي تنهض تأليفاً وكتابة وإخراجاً، وذلك بحكم اشتداد الأزمة السورية على كل الأصعدة. بعض كُتّابها المعروفين حمل معه أفكاره وكتاباته وأمكنته وذكرياته عنها، وصار يعمل على تأسيس فضاءات جديدة لكتابات درامية متنوعة ومختلفة في أمكنة جديدة. المعادلة الصعبة تكمن في الشغل على ذاكرة جديدة، على رغم أن هذه النوعية من الكتابة، كما شاع عنها لا تحتفظ بأي ذاكرة، بحكم أنها مكتوبة للتلفزيون أولاً وأخيراً. «الحياة» توجهت بسؤال وحيد إلى عدد من كتّاب الدراما السوريين المعروفين الذين انتقلوا للعمل والعيش في العاصمة اللبنانية، وهو: هل الكتابة الدرامية عابرة للمكان، وإلى أي مدى تأثروا بالانتقال الى بيروت للعيش والعمل فيها؟ يقول نجيب نصير المسؤول مع زميله حسن سامي اليوسف عن بعض أفضل الأعمال التي عرفتها الدراما السورية مثل «نساء صغيرات» و«أيامنا الحلوة» و«انتظار»: «إذا انشغلنا بالقضية الإبداعية، فالدراما التلفزيونية مثلها مثل أي كتابة أخرى ليست عابرة للمكان، ولكن من الباب المهني الاحترافي يمكن تنفيذها في أي مكان، فالمكان هو معلومة أساسية في إنجاز الدراما. وبالنسبة إلى المكان بمعانيه وزمنه والعلاقة معه معرفياً، هو عامل مؤسس وأساسي في عملي، فما يشغلني هو «المجتمع». أنا لا أستطيع أن أعبر مكاني إذا كنت أشتغل على مشروع من اقتراحي واختراعي، أما تقنياً فيمكن ذلك كمهارة احترافية». ويشير نصير إلى أنه في طور الشغل على إعادة تقديم فكرة من فيلم سينمائي كمسلسل تلفزيوني في عنوان «تشيلو»، والإخراج لسامر برقاوي. الكاتبة ريم حنا التي اشتهرت بمسلسلات مثل «لعبة الموت»، «رسائل الحب والحرب»، «ندى الأيام»، تدأب هذه الأيام على إنجاز مسلسل في عنوان «24 قيراط» على أن يسند الإخراج إلى اللبناني سعيد الماروق، والأدوار الرئيسية فيه لعابد فهد، سيرين عبدالنور، ماغي بو غصن وتقلا شمعون. وتقول رداً على السؤال: «أسميها دراما ظرفية تخضع لشَرطي الزمان والمكان، وتشبه المدن الحديثة حين ينكب على تخطيطها مهندسون آتون من محليات وخصوصيات وهويات متعددة وذاكرة تقاوم الانهيار. هي دراما اصطلح عليها ب «بان آراب» (Pan Arab)، فعلى رغم الدعوات المتكررة منذ عقدين أو أكثر إلى صناعة دراما عربية مشتركة تعزز وحدة الأمة، وتكرس عروبتها، الا أن هذه المحاولات لقيت التجاهل والتأجيل، وها هي الآن تفرز نفسها تلقائياً، وتشكل تضاريسها، بفعل عوامل ملحة، وظواهر الانهدامات. كل شيء على هذه الأرض يشبه الأرض، وها هي العبارة «تتأجنب»، فبعدما كانت دراما عربية مشتركة، صار اسمها «بان آراب». وعلى رغم انحيازي الصارم لخصوصية الدراما وواقعيتها والتصاقها بمجتمعاتها، إلا أن الأمر ليس كارثياً، والفن بطبيعته بلا ضفاف، ويحتمل أنواعاً وأساليب متنوعة. الكاتب عبدالمجيد حيدر صاحب أعمال درامية مثل «طريق النحل»، «ناطرين»، «خواتم»، يعتبر أن «أساس الدراما هو العلاقات الإنسانية». ويضيف: «تنبني الحكاية الدرامية على العلاقات الإنسانية في شكل عام، ثمّ يأتي المكان وخصوصيته كي يُعطي التفرّد والهوية للعمل الدرامي. انتقالي إلى لبنان كان يعني انتقال «دراماي» إليه، وأنا أعمل هنا في كتابة الدراما، أو الإشراف على مشاريع درامية كما كنت أعمل في سورية، ولبنان ليس بعيداً كجوّ درامي من سورية، ونكاد نكون معروفين جيداً في لبنان مثلما نحن في بلدنا. ربّما سنفتقد الآن الدراما السورية الاجتماعية العميقة التي تعتني بتفاصيل خاصة بالمجتمع السوري. ولا أعتقد بأنّني أستطيع إنجاز عمل مثل «أشياء تُشبه الحبّ» الآن، لكنّني أشتغل دراما اجتماعية أو بوليسية مشوّقة ولطيفة وقد تكون جماهيرية، لكنّها ليست «حرّاقة» مثل درامانا عندما كنّا في سورية. ولا بد من أن ننتبه هنا إلى أن القنوات التي تتحكّم بسوق الإنتاج الدرامي باتت تُفضل الأعمال التي يُطلق عليها «بان آراب»، لكنّ ما يعيبها، مهما بلغت جودة صنعها، افتقاد الخصوصية الاجتماعية. ربّما علينا أن نجد حلولاً وقصصاً درامية وشخصيات تحمل هموم مجتمعاتها، أو أن نبحث في الهويّة. وقد تكون الدراما في هذه الفترة مساعداً مهمّاً في محاولة الإجابة على سؤال الهوية بعد كل الذي حدث». الكاتبة الدرامية إيمان سعيد صاحبة مسلسل «سحابة صيف»، تقول: «البيئة تؤثر حسب طبيعة الموضوع في العمل الدرامي، ففي حال كان الموضوع اجتماعياً معاصراً يرصد بيئة معينة، فعلى الكاتب ملازمة طبيعة البيئة وقتاً معيناً ليتعرف إليها، ولو أن الإنسان في معظم همومه يتشابه، فكلما كان العمل من طبيعة إنسانية بسيكودرامية شهدنا حجم التقارب بين البشر على رغم اختلاف البيئات. أنا حالياً أقيم في بيروت، وموضوعي الدرامي أكتبه لينفذ في مصر. والأكيد لن أمسك بعناصر البيئة المصرية مثل أهلها. ولكن، طالما أن الكاتب يمتلك الأدوات، ولديه القدرة على توسيع دوائر اهتماماته ببيئات جديدة، وقادر على ملامسة الإنسان بالعمق، فهو قادر على أن يكون منفتحاً على تجارب جديدة في الكتابة وعلى بيئات مختلفة». الكاتب هوزان عكو الذي شغلته من قبل إعادة كتابة الأعمال الدرامية مثل «دليلة والزيبق» و«أسعد الوراق»، يعكف اليوم على كتابة مسلسل في عنوان «بنت الشهبندر» تدور أحداثه في بيروت 1880، وهو من إنتاج شركة «إم آر 7» وإخراج سيف سبيعي. يقول: «لم تكن كتابة الدراما إلا عابرة للمكان بالنسبة إلي. وكانت طريقة للتعرف إلى الأماكن – المدن التي أعيش فيها، بدءاً من انتقالي من الجزيرة إلى دمشق للدراسة والعمل، ومن ثم في مرحلة ما في أبو ظبي، وأخيراً في بيروت التي تمثل تجربة انتقال أطول وفي ظروف استثنائية. دمشق كانت مكاناً آمناً حاضناً بمرتكزات ثابتة لصناعة الدراما جعلت الطريق واضحة المعالم وفي بيئة تنافسية متنامية. الانتقال إلى بيروت حمل في طياته شق التعرف إلى المدينة من خلال الكتابة عنها، والخوض في مجهول جديد يضيف متعة ولذة للكتابة كفعل، لكنه يواجه صعوبات من حيث تسويق وإنتاج العمل بدأت أتلمس مفاتيحها. لطالما سمعت من يقول إن الكاتب يكفيه حاسب وشبكة إنترنت ليكتب من أي مكان، وكنت أرى أن الأمر أكثر تعقيداً وارتباطاً بالمكان، إلا أن تجربة الانتقال إلى بيروت منحت هذا القول بعض المشروعية، ما دمت أكتب عن مشاهداتي وعلاقتي بذاكرة قديمة، وأخرى تنشأ في المكان الجديد. وفي الحالين تجربة الانتقال تؤثر لتدفعني إلى مزيد من الكتابة».