غيرت لجنة تعديل الدستور في مصر آلية اختيار رئيس الوزراء، لتسند اختياره إلى رئيس الجمهورية بالتشاور مع الأكثرية البرلمانية، بعدما كان مقرراً أن يُكلف الرئيس الأكثرية باختياره على أن يحوز ثقة البرلمان، فيما تقرر أن يختار المجلس الأعلى للقضاء النائب العام ليصدر الرئيس قراراً بتعيينه، ما يغل يد الرئيس عن التدخل في عمل النيابة العامة. وظهر أن تحركاً لتحقيق مصالحة بين جماعة «الإخوان المسلمين» والحكم الموقت أُجهض، إذ شددت الجماعة من لهجتها بعدما أبددت مرونة بخصوص الحوار. وأكدت مجدداً تمسكها ب «عودة الشرعية»، ما يعني مطالبتها بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي إلى منصبه، بعدما كان «تحالف دعم الشرعية» تنازل ضمناً عن هذا الأمر. ومن المقرر أن تبدأ لجنة الخمسين مطلع الأسبوع المقبل التصويت النهائي على مسودة الدستور في ثلاث جلسات متتالية ستذاع على الهواء مباشرة، حسب الناطق باسم اللجنة محمد سلماوي. وأوضح سلماوي ل «الحياة» أن اللجنة ستناقش الأسبوع الجاري ديباجة الدستور و20 مادة ما زالت قيد البحث، «وإن كان هناك توافق كبير على مضمونها، لكنها في حاجة إلى تدقيق». وأوضح أن أعضاء اللجنة سيجرون تصويتاً مبدئياً في شأن مواد الدستور قبل التصويت النهائي في الأول من كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وأشار إلى أن المناقشات أسفرت عن تعديل آلية اختيار رئيس الوزراء، بحيث يختاره الرئيس بعد التشاور مع الأكثرية النيابية، على أن يعرض رئيس الحكومة برنامجه على البرلمان خلال 30 يوماً من تشكيل الحكومة، وإن لم يحصل على ثقة البرلمان، تتولى الأكثرية اختيار رئيس جديد للوزراء يعرض برنامجه على البرلمان خلال 60 يوماً من تشكيل حكومته، وإن لم يحز ثقة البرلمان، يُحل الأخير ويدعو الرئيس إلى انتخاب برلمان جديد. وأوضح سلماوي أن اللجنة رأت الأخذ بالنظام المختلط شبه الرئاسي، ومن ثم عدلت آلية اختيار رئيس الوزراء التي كانت تقتضي أن يُكلف الرئيس «الأكثرية النيابية» بتسمية رئيس الوزراء، وإن لم يحصل على ثقة البرلمان يختاره الرئيس، وإن لم يحصل على ثقة البرلمان يُحل الأخير، وتجرى انتخابات جديدة. ولفت إلى أن بعض الأعضاء رأى ضرورة إعادة المناقشات في شأن تشكيل الحكومة، ومن ضمنها أيضاً كيفية اختيار الوزراء السياديين (الدفاع والداخلية والخارجية والعدل) على اعتبار أن تلك الوزارات لها أهمية خاصة، وأوضح أن الدستور الجديد سيُوكل أمر اختيار تلك الوزارات إلى رئيس الجمهورية، لكن سيلزمه بالتشاور مع رئيس الوزراء. وأضاف أن ذلك الأمر «تحصيل حاصل لأن الرئيس لن يختار وزراء من دون التشاور مع الأكثرية، حتى يحوزوا ثقة البرلمان، والتشاور في هذا الأمر وارد بل ضروري، لكن رأى أعضاء اللجنة ضرورة النص عليه في الدستور لتأكيده». غير أن سلماوي أشار إلى أن المادة الانتقالية الخاصة بربط تعيين وزير الدفاع بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ستظل سارية لمدة دورتين رئاسيتين. وقال إن «الغرض من ذلك حماية القوات المسلحة في الظرف الاستثنائي الذي تعيشه البلاد، لأن هذا النص الانتقالي يحافظ على القوات المسلحة ولا يسمح بالتدخل في أمرها من قبل أي اتجاه حزبي يفوز بالرئاسة». وقالت لجنة تعديل الدستور في بيان أنها قررت إلغاء شرط موافقة رئيس الجمهورية علي تعيين النائب العام. وجاء في مسودة الدستور الجديد: «يتولى النيابة العامة نائب عام يختاره مجلس القضاء الأعلى من بين نواب رئيس محكمة النقض أو رؤساء محاكم الاستئناف أو النواب العامين المساعدين ويصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية لمدة 4 سنوات أو المدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد، أيهما أقرب ولمرة واحدة طوال مدة عمله». وكان الدستور السابق نص على أن يختار الرئيس النائب العام من بين 3 أسماء يرشحها المجلس الأعلى للقضاء. لكن مرسي لم يلتزم هذه الآلية عندما عين النائب العام السابق طلعت عبدالله بالتزامن مع إعلان دستوري حصن قراراته ضد القضاء. إلى ذلك، تراجع القيادي في «الإخوان» الوزير السابق محمد علي بشر عن اقتراحه إجراء استفتاء شعبي للمفاضلة بين خريطة الطريق التي أعلنها الجيش بعد تظاهرات 30 حزيران (يونيو) الماضي وتم بمقتضاها عزل مرسي، وخريطة بديلة تطرحها جماعته. وقال بشر في حوار مع جريدة «الحرية والعدالة»، الناطقة باسم الذراع السياسية للجماعة، أن «لا تنازل عن الشرعية، والتحالف الوطني لدعم الشرعية متمسك بعودة الرئيس والدستور والبرلمان». وأوضح أن «حل الأزمة يبدأ من حوار يصل بنا إلى مصالحة وطنية حقيقية مبنية على الشرعية الدستورية... متمسكون بالرئيس والدستور ومجلسي الشعب والشورى». وأظهر بشر تشدداً حتى أكثر من قادة التحالف الذين يطالبون بعودة مرسي إلى منصبه، إذ زاد مطلب عودة مجلس الشعب الذي تم حله حتى قبل تولي مرسي السلطة، وأوكلت صلاحيات التشريع في حينها إلى المجلس العسكري ثم إلى مرسي وأخيراً إلى مجلس الشورى ثم الرئيس الموقت. واعتبر بشر أن «الطرف الآخر (الحكم الموقت) غير جاد في المصالحة». وهاجم وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي، قائلاً: «نكتشف يومياً أنه انقلب من أجل الكرسي». من جهة أخرى، استنكرت جماعة «الإخوان» تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري التي قال فيها إن الجماعة «سرقت ثورة 25 يناير». وقال الأمين العام للجماعة محمود حسين في بيان إن تصريح كيري «يلوي عنق الحقيقة ويتغافل حقائق الأحداث المسجلة ليس عن طريق الإخوان وحدهم وإنما عن طريق خصومهم كذلك». وأضاف: «ليت السيد كيري يكلف أحدا من مساعديه ليقرأ له الصحف الحكومية المصرية منذ 25 كانون الثاني (يناير) 2011 وحتى سقوط حسني مبارك ويطلب من مساعديه أن يترجموا له لقاءات تلفزيونية لكثير من الليبراليين المصريين الذين أجمعوا أنه لولا بسالة الإخوان وصمودهم يوم موقعة الجمل لفشلت الثورة، وأن يشرحوا له أن الإخوان لم يصلوا إلى مجلس الشعب أو الشورى أو الرئاسة إلا بانتخابات نزيهة». ودعا الإدارة الأميركية إلى «تصحيح أخطائها».