دخلت معركة تمرير الدستور المصري المعدل مرحلة المنعطفات الصعبة والحساسة، فبعدما أرضت لجنة الخمسين المخولة صوغ التعديلات المؤسسة العسكرية بحجز صلاحيات واسعة لها في تعيين وزيرها ومناقشة موازنتها والسماح بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري بشروط، احتدم أمس الخلاف في شأن مادة تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية مع اقتراب موعد التصويت النهائي في اللجنة على المواد. ولوح حزب «النور» السلفي بدعوة أنصاره إلى رفض الدستور في حال لم تلب مطالبه بوضع تفسير للمادة الثانية التي تنص على مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية. وكانت منظمات عمالية ونسوية وقبطية لوحت أيضاً بالدعوة إلى رفض الدستور ما لم تخصص حصص نيابية في البرلمان المقبل، ما يضع الحكم الموقت في مأزق، إذ تمثل عملية تمرير الدستور في الاستفتاء المتوقع الشهر المقبل اختباراً جدياً لشعبيته في الشارع في مواجهة جماعة «الإخوان المسلمين». واستنفرت اللجنة أمس لحل تلك الأزمات، فعقد رئيسها عمرو موسى اجتماعاً مع مفتي الجمهورية ممثل الأزهر في اللجنة شوقي علام وممثلي الكنائس الثلاث للبحث في أزمة مواد الشريعة، إذ كانت الكنائس لوحت بسحب ممثليها في حال تمرير التفسير الذي يطالب به السلفيون. وعقدت اجتماعات جانبية أخرى مع ممثلي «النور» للبحث عن صياغة توافقية. وكانت الجلسة العامة لأعضاء اللجنة أمس خصصت لتمرير ديباجة الدستور. وأوضح مصدر مطلع ل «الحياة» أن الديباجة «ستتكون من تسع فقرات، أهمها تنص على أن مصر دولة مدنية ديموقراطية حديثة، وكذلك التأكيد على أن مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة هي المصدر الرئيس للتشريع بما تتضمنه من أحكام قطعية الثبوت والدلالة وتعتمد عليه هذه المبادئ من أصول تحقيق مقاصد الشريعة الغراء». وأوضح أن «الديباجة ستتناول كل ثورات مصر منذ ثورة 1919 التي رفعت شعار «الدين لله والوطن للجميع»، وتعتبر 30 حزيران (يونيو) 2013 موجة ثورية ثانية لتعديل مسار ثورة كانون الثاني (يناير) 2011». غير أن ممثل «النور» في اللجنة محمد إبراهيم منصور طالب بحذف كلمة «مدنية» من الديباجة ووضع كلمة «حديثة» بدلاً منها، وأن يستند التفسير الخاص بمبادئ الشريعة الإسلامية إلى «حكم المحكمة الدستورية العليا الذي أوضح أن هذه المبادئ هي الأحكام المجمع عليها ويتعين على المشرع أن يجتهد في الأحكام الاجتهادية بالأصول والقواعد الضابطة لصون المقاصد الشرعية». وأكد ل «الحياة» القيادي في الحزب شعبان عبدالعليم، أن «الخلافات في شأن مواد الهوية مستمرة، وهناك اجتماعات جانبية لحسمها». ولوح بأن حزبه سيدعو أنصاره إلى رفض الدستور إذا لم يقر التفسير الذي يريده، قائلاً: «ننتظر ما ستؤول إليه تلك الاجتماعات من نتائج، وإذا لم ترض مطالبنا فكل الخيارات مفتوحة». وبدا أن حوادث العنف التي جرت في البلاد خلال الفترة الأخيرة دفعت اللجنة إلى النص في الدستور على إلزام الدولة «مواجهة الإرهاب بمعايير تعريف الأممالمتحدة له بكل صوره وأشكاله وبتجفيف منابعه الفكرية باعتباره تهديداً للوطن، من دون إهدار للحقوق والحريات العامة». وكانت اللجنة نجحت مساء أول من أمس في تمرير المواد المتعلقة بالمؤسسة العسكرية بعد خلافات دامت الشهر الماضي، إذ حجز الجنرالات لأنفسهم صلاحيات واسعة أبرزها إلزام الرئيس لثماني سنوات بالحصول على موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل تعيين وزير الدفاع. كما نص الدستور على تشكيل «مجلس الدفاع الوطني» الذي يهيمن عليه العسكريون والذي سيتولى مناقشة موازنة الجيش، على أن تدرج رقماً واحداً في الموازنة العامة للدولة ويؤخذ رأيه في القوانين المتعلقة بالجيش، إضافة إلى النظر في الشؤون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها. ويترأس المجلس رئيس الجمهورية، ويضم في عضويته رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ووزراء الدفاع والخارجية والمال والداخلية ورئيس الاستخبارات العامة ورئيس أركان حرب القوات المسلحة وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع الجوي ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع. وأتاح مشروع الدستور محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري وإن قصر الأمر على «الجرائم التي تمثل اعتداء مباشراً على منشآت القوات العسكرية أو معسكراتها أو ما في حكمها أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد أو الجرائم التي تمثل اعتداء مباشراً على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم». وأثار هذا النص اعتراضات ناشطين كانوا يطالبون بحظر محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري. وانسحب الناشط السيناوي مسعد أبو فجر من الجلسة احتجاجاً على تمرير المادة التي أكد أنها «معوجة لا تستقيم حتى لو وافق عليها العالم كله». ودافع أعضاء في اللجنة عن هذه المادة باعتبارها «ضرورة ملحة في هذه المرحلة». وأوضح الناطق باسم اللجنة محمد سلماوي أن محاكمة المدنيين عسكرياً «ستكون في حالات محددة تختلف عن تلك التي كانت موجودة في الدستور المعطل والتي نصت على المحاكمات العسكرية في كل الجرائم المضرة بالقوات المسلحة على إطلاقها». ودافع عن ربط تعيين وزير الدفاع بموافقة المجلس العسكري، «لأن النظام السابق كان يناصب العداء كل المؤسسات ومن بينها القوات المسلحة، ومصر تمر حالياً بمرحلة انتقالية ويجب الحفاظ على هذه المؤسسة». وأشار إلى أنه «في السابق كان النظام يستطيع أن يفرض أي إخواني على رأس المؤسسة العسكرية، ما تطلب الحفاظ على استقلالية الجيش من أي نظام سياسي قد يفرض عليه». أما مقرر لجنة نظام الحكم عمرو الشوبكي، فقال: «حاولت حتى آخر لحظة وضع نص المحاكمات العسكرية في باب الأحكام الانتقالية، وكانت هذه هي المحاولة الأخيرة بعد ماراثون من النقاش والخلاف استمر أكثر من شهر مع ممثلي الجيش، ونجحنا في إلغاء نص الإخوان الخاص بالجرائم المضرة وهو مفهوم عام وفضفاض جداً لمصلحة نص مفصل وركيك في صياغته لكنه يقصر الأمر على جريمة الاعتداء المباشر، وهي خطوة حتى ولو لم ترض بعضهم لكنها قد تمثل ظهيراً دستورياً لمن يستشهدون كل يوم. وحين يتراجع خطر الإرهاب وتنشأ محاكم مدنية خاصة للفصل في هذه القضايا فيجب أن يختفي هذا النص». من جهة أخرى، أعرب القيادي في جماعة «الإخوان» الوزير السابق محمد علي بشر عن «الاستعداد لقبول استفتاء شعبي» يخير الناخبين بين «خريطة الطريق» التي أعلن مرسي قبل عزله «ملامح منها»، وخريطة الطريق التي أعلنها وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي عقب عزل مرسي. وأضاف أن «الموافقة على إجراء استفتاء على خريطتي الطريق يتبعه احترام لإرادة الشعب من التحالف مهما كانت، حتى وإن اختارت خريطة طريق السيسي». وأوضح أن خريطة طريق مرسي «تستند إلى موافقته على التسريع بإجراء الانتخابات التشريعية التي يمكن أن يتلوها استفتاء على بقائه رئيساً لمصر حتى 2016 أو إجراء انتخابات رئاسية جديدة مباشرة، إضافة إلى تشكيل لجنة لتعديل الدستور (المعطل) فضلاً عن تشكيل حكومة وطنية». وأكد أن «التحالف لن يتنازل أبداً عن عودة الشرعية كاملة، والتي تشمل عودة مرسي والدستور المستفتى عليه من الشعب وكذلك مجلسي الشعب والشورى المنتخبين».