إن ظاهرة الإرهاب تفاقمت وانتشرت، حتى تحولّت إلى آفة أصبحت تنخر في جسم المجتمع الدولي، ولما كانت القوانين الجزائية والجنائية تعتبر خط الدفاع الأول والأخير لمواجهة ظاهرة الإجرام، فقد باتت تلك القوانين لدى كثير من دول العالم قاصرة عن مواجهة هذا التصاعد المستمر الذي وصلت إليه، لذلك فقد لجأت العديد من دول العالم إلى مواجهتها من خلال سن القوانين المتعلقة بتجريم الأفعال الإرهابية، والأصول القانونية المتوجِّب على المحاكم المختصة إتباعها، من بينها السلطات السورية التي سارعت في 2012 لإصدار قوانين عدة، من بينها رقم (19) المتعلق بقضايا الإرهاب، ورقم (20) المتعلق بتسريح الموظف العامل في الدولة بحال ثبت قيامه بعمل إرهابي بحكم قضائي. عرّفت المادة (1) من القانون رقم (19) الإرهاب بأنه (كل فعل يهدف إلى إيجاد حال من الذعر بين الناس أو الإخلال بالأمن العام أو الإضرار بالبنى التحتية أو الأساسية للدولة، ويرتكب باستخدام الأسلحة أو الذخائر أو المتفجرات أو المواد الملتهبة أو المنتجات السامة أو المحرقة أو العوامل الوبائية أو الجرثومية، مهما كان نوع هذه الوسائل أو باستخدام أية أداة تؤدي الغرض ذاته). ونصّت المادة (8) (بمعاقبة كل من قام بتوزيع المطبوعات أو المعلومات المخزّنة، مهما كان شكلها بقصد الترويج لوسائل الإرهاب أو الأعمال الإرهابية، وتنزل العقوبة نفسها بكل من أدار أو استعمل موقعاً الكترونياً لهذا الغرض). بينما نصت المادة (1) من القانون رقم (20) (يسرح من الخدمة كل عامل أو موظف في الدولة مهما كان القانون الخاص من الأجر والراتب ومن الحقوق التقاعدية كافة، من تثبت إدانته بحكم قضائي مكتسب الدرجة القطعية بالقيام بأي عمل إرهابي، سواء كان فاعلاً أم محرضاً أم متدخلاً أم شريكاً أم انضمامه إلى المجموعات الإرهابية أم تقديم أي عون مادي أم معنوي لهم بأي شكل من الأشكال). بذلك، نجد أن القانون عمد لإبقاء تعريف الإرهاب عاماً وفضفاضاً، يقبل التأويلات والتفسيرات المتعددة، مما يُطلق يد السلطة التنفيذية ويجعلها أكثر حرية في إدخال بعض الأعمال ذات الطابع المدني بعداد الجرائم الإرهابية، والأخطر من ذلك هو عدم وجود حدود فاصلة بين جرائم الرأي والجرائم الإرهابية، بناء عليه، فإن تهمة الإرهاب تلاحق المواطنين حتى وهم في معرض ممارستهم حقوقهم في حرية التعبير والتجمُّع السلمي، والأمثلة على ذلك كثيرة تترجمها الأعداد الهائلة التي تقبع في المعتقلات أو بحال توفير الرعاية الطبية لأشخاصٍ أصيبوا أثناء الاحتجاجات، وهو ما طال كثير من الأطباء والطواقم الصحية، أو لمجرد جمع التبرُّعات، بهدف شراء أغطية لأخوتهم النازحين، كما حصل مع تجار دمشق. والتهمة نفسها تُطارد المواطن أيضاً، كتهمة تبريد المتظاهرين التي اعتقل على أثرها معلم مدرسة في بلدة نصيب بدرعا، لأنه قدّم مياه الشرب لبعض المتظاهرين عند مرورهم أمام منزله أو لتوزيع الورود على قوات الأمن، كما حصل مع عامل البناء يحيى شربجي في داريا أو مجرّد المناشدة بوقف القتل، كما حدث لحرائر دمشق أمام مبنى مجلس الشعب وسوق مدحت باشا في الوقت الذي يقوم فيه كل من الشبيحة وعصابات القتل بدوس القانون بنعالهم صباح مساء. نستنتج مما سبق أن قانون الإرهاب السوري لم يراعِ مخاوف حقوق الإنسان، كونه لم يحدد التدابير الواجبة لاعتقال المتهمين التي تتم في شكل تعسفي، خلافاً لكل المعايير والأعراف القانونية، إذ لم تكشف الجهة المعتقلة عن هويتها ولم تبرز أية مستندات قانونية، ولم تقم بإبلاغ المعتقل بالتهم الموجهة إليه، ولا بالمكان الذي يعتقل فيه، فضلاً عن القيام باحتجازه لفترات طويلة تفوق مدة 60 يوماً التي نص عليها القانون، وتعريضه لشتى أنواع التعذيب الممنهج الذي لم ينص القانون على منعه ووجوب المعاملة الإنسانية. من هنا، يتضح لنا مدى الحاجة إلى تحديد المرتكزات القانونية لمفهوم الإرهاب والتوصل إلى تعريفه في شكل واضح، لما من شأنه تحديد الموقف القانوني من ماهية العمل في ما إن كان عملاً إرهابياً من عدمه. فوزي مهنا - محام سوري [email protected]