تحتفل «الحياة» هذه الأيام بمرور 25 سنة على عودتها إلى الصدور. وأرجو أن نراها يوماً تحتفل بعيدها الخمسين، وأن يراها الناس بعدنا تحتفل بمئويتها. «الحياة» تستحق الحياة في زمن هجمة تكنولوجيا العصر، فهي أثبتت عبر تاريخها الطويل صدقها مع نفسها ومع قارئها، ودفع مؤسسها وأول رئيس تحرير لها الأستاذ كامل مروة في 1966 حياته ثمناًَ لدفاعه عن قضايا الأمة، وكنت وبعض الزملاء هناك ورأيناه ملقى على أرض مكتبه والدم ينزف من جرح في القلب. بعد 12 سنة من الغياب القسري عن القراء بسبب الحرب الأهلية اللبنانية عادت «الحياة» إلى الصدور من لندن ثم العالم كله، والناشر هذه المرة هو الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، وهو لا يحتاج إلى تقديم مني للقراء فتاريخ نضاله الوطني معروف. الأمير خالد أولى جهاز التحرير ثقته، وحمى حرية الكلمة المسؤولة في العمل، وكسبنا ثقة القارئ ونحن نمارس شعار جريدتنا «إن الحياة عقيدة وجهاد». الصدقية، مثل عود الكبريت وشرف البنت، إذا فقدت لا تعود. وأسجل اليوم، و»الحياة» تحتفل بربع قرن على عودتها إلى الصدور، أن الأمير خالد وراء هذه الصدقية العالية، فهو أطلقها وحماها ودفعنا الثمن مرة بعد مرة منعاً في هذا البلد أو ذاك من دون أن يتراجع الناشر والزملاء أو يهادنوا أو يلينوا. أعرف الأمير الناشر على امتداد عقود من الصداقة تتجاوز العمل الصحافي، وأنا أكتب كل يوم، ولم أمدحه بشيء يوماً، وهو لا يحب المديح ولا يطلبه، وإذا سجلت له إنجازاً اليوم في ذكرى احتفالية فلأنني أنطلق من معرفة واسعة بإنجازات «الحياة» الأولى والثانية، فقد عاصرتهما. لا أحد معصوماً، وكل مَنْ يعمل يخطئ أحياناً، ولكن أقول إنه لم يحدث إطلاقاً أن فرض طرف، أي طرف في العالم كله، على «الحياة» نشر خبر أو منعها من نشر خبر. كنت رئيس التحرير حوالى عشر سنوات وتبعني الزميل جورج سمعان، وهناك الآن الزميل غسّان شربل في رئاسة التحرير. أطرح قفاز التحدي أن يقول أي طرف أنه تدخل يوماً في عمل التحرير. ثقتي كاملة أن الناشر سيغلق الجريدة إذا تعرضت صدقيتها لضغوط. النجاح يصنعه مهنيون ناجحون وأزعم أننا فريق ناجح في كل بلد، أو نجوم صحافة في لندن وبيروت والرياض والقاهرة وباريس ونيويورك وواشنطن وغيرها. نحن صحافيون، ولسنا موظفين، أكثرنا يعمل سبعة أيام في الأسبوع من دون أن يُطلب منه ذلك. كنت أتمنى لو أسجل أسماء، إلا أنني لا أريد أن أذكر بعضاً وأهمل بعضاً آخر ففريق التحرير يضم جنوداً مجهولين يغامرون بحياتهم كل يوم في سورية والعراق وليبيا واليمن وفلسطين وغيرها ليعطوا القارئ خبراً عالي المهنية والصدقية. «الحياة» شقّت طريق الطباعة الإلكترونية للصحافة العربية كلها، والصحف التي تبعتنا استعملت حرف خطاط «الحياة» قبل أن تطلع خطوط أخرى. وإذا كان من دور مهني نفاخر به جميعاً فهو انتصارنا للكويت في محنة الاحتلال، فالأمير خالد بن سلطان، قبل أن يصبح قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، وقبل أن يقوم تحالف دولي للتحرير، قال لي في صباح 2/8/1990 «افعلوا كل ما تستطيعون لنصرة الكويت وأهلها». أصدرنا عدداً خاصاً عن الاحتلال، كان العدد الوحيد من نوعه في العالم كله، ووزعناه في أوروبا ظهر ذلك اليوم التاريخي، وأرفقناه مجاناً بعدد 3/8 التالي وبقينا مع الكويت وأهلها حتى التحرير. «الحياة» عقيدة وجهاد، ولا أقول سوى مبارك للناشر والزملاء في عيد «الحياة». [email protected]