كتبتُ الأسبوع الماضي عن مشاكل الدول العربية واستثنيتُ الكويت، فقد رأيتُ انها من دون مشاكل حقيقية تبرر النكد السياسي المستمر، وتلقيتُ بريداً كثيراً يؤيد ما ذهبتُ إليه، وكان هناك من انتقد موقفي وهذا حقه. الرأي ذاتي يخطئ ويصيب، ولا أدعي العصمة، بل لا أصدق أن بابا روما معصوم، غير أنني أحاول جهدي أن تكون معلوماتي صحيحة، وما قلت هو ان «الكويت بلد ثري وفيه مساحة كبيرة من الحرية السياسية والشخصية، وأنه في الربع الأول في قائمة الفساد العالمية، وأن صدام حسين ذهب ولن يعود، ولا أحد يهدد السلامة الإقليمية للبلاد، وأن الدخل النفطي العالي مضمون لأجيال قادمة». كل كلمة في السطور السابقة صحيحة، ومثلها كلامي عن مشاكل الدول العربية الأخرى التي وصفتُها بأنها تتراوح بين الصعب والمستحيل. وخلصتُ من كل ما سبق إلى القول إن الكويت هي الاستثناء من بين الدول العربية فكانت الكلمات الأخيرة في المقال «يا ناس الدنيا صيف، سافروا وانبسطوا وصوموا رمضان واشكروا ربكم على نِعمِهِ عليكم». وكلامي لا يخرج عما سمعتُ يوماً من الأخ جاسم الخرافي وهو ان مشكلة الكويت انها من دون مشكلة. مرة أخرى، أشكر من أيّدني، والشاعر قال: «يهوى الثناء مبرز ومقصر/ حب الثناء طبيعة الإنسان»، وأرحب بالرأي المعارض، ثم أعترض فقط على الخطأ في المعلومات. النائب عن مجلس 2009 السيد صالح الملا قال رداً على «تويترات» انني وصفتُ الكويتيين بالسطحية، وأقررت بأن الكويت دولة فاسدة ونصحتُ الكويتيين بالسفر لنسيان ذلك. بل انه يقول إنني تحدثتُ بفوقية. بكل احترام أقول للنائب الكويتي إنني لم أتهم الكويتيين بالسطحية أبداً، ولو في شكل غير مباشر، ولم أتحدث بفوقية، ثم إنني لم «أقر بأننا دولة فاسدة»، بل قلت إن الكويت في الربع الأول من مؤشر الفساد العالمي، أي انها في موقع جيد بين حوالى 180 دولة في المؤشر، ولم أنصح بالسفر لنسيان الفساد، وإنما قلت إن الدنيا صيف، والكويتيون القادرون يسافرون في الصيف فراراً من الحر، وقد كان صيفي في لبنان لا يكتمل من دون رؤية الكويتيين بالدشاديش البيضاء في بحمدون المحطة، وكانوا دائماً ولا يزالون موضع ترحيب كل لبناني. أين «الفوقية» في كلامي عن الكويت؟ أزعم أن البرلمان الكويتي دعاية ضد الديموقراطية. وأزيد أن موضوعي كله كان أن يسعد الكويتيون بحياتهم لأن لا مشكلة حقيقية عندهم. في 14/7/1990، عيد «الثورة» العراقية، وقبل اجتياح الكويت بحوالى أسبوعين كتبت في هذه الزاوية بعد إلقاء صدام حسين خطاباً هدد فيه إسرائيل، مهاجماً الحاكم الديكتاتور الذي يريد أن يلقي خطاباً فيزعم أنه يريد أن يلقي إسرائيل في البحر، وأعدت نشر المقال بعد يومين لوقوع خطأ فيه. وعندما احتُلَّت الكويت كانت «الحياة» الجريدة الوحيدة في العالم التي أصدرت عدداً خاصاً عن الاحتلال. وبعد ذلك بأيام أصبح ناشر «الحياة» الأمير خالد بن سلطان، نائب وزير الدفاع السعودي الآن، قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات في حرب تحرير الكويت. سألقي يوماً محاضرة في الكويت عن دور الأمير خالد في التحرير كما تابعته شخصياً بين الرياض والمنطقة الشرقية من السعودية، وعن التهديدات التي تلقيتها بسبب المقال المكرر، وعن الجهد الفائق ونفقات طبع العدد الخاص وكيف سافر كبار المحررين بعد الظهر الى عواصم أوروبا لتوزيعه على الباعة في فرانكفورت وباريس وروما إضافة الى لندن نفسها. وأعد بأن يكون شهودي أحياء لأن «اللي يكذب يكذب على الميتين» كما يقول المثل. «الحياة» في العلاقة مع الكويت مثل امرأة القيصر فوق مستوى الشبهات، ثم أقرأ للسيد أنور الرشيد، الأمين العام لمظلة العمل الكويتي، تعليقاً يخلط السم بالدسم (عبارته) وينتهي بأن يخاطبني قائلاً «أستاذ جهاد لقد أخطأت في حق الشعب الكويتي فاعتذر». السيد الرشيد جانبه الرشد في تعليقه، وأتهمه بالخطأ بحق الشعب الكويتي وحقي وأطالبه بالاعتذار لأهل الكويت لأنني لا أريده ان يعتذر لي. هو سأل «لماذا يحجر علينا الأستاذ جهاد مطالب الشعب المشروعة بالإصلاح»، وأنا لم أتحدث عن الإصلاح إطلاقاً حتى أوافق عليه أو أرفضه، ولم أُشِر إلى معارضة أو موالاة، وإنما طلبت أن يسعد الكويتيون بحياتهم. وهو اعترض على قولي إن الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح رجل «آدمي» وأنا أعرفه كذلك، وقد تحدثت عن ثلاثة رجال فقط من أصل أسرة حاكمة ووزراء لا بد أن يزيد عددهم على ألف. وهو يكمل قائلاً: «ليست هذه المرة الأولى التي نرصد للخازن فيها مقالاً يهاجم شعوب الخليج ويمتدح حكامهم...». هذه تهمة كبيرة، وعنصرية يعاقب عليها القانون البريطاني بما يتجاوز الغرامة الى السجن، فأرد على السيد الرشيد كما يستحق وأقول له إنه يكذب ثم أتحداه أن يأتي لي بمقال واحد أهاجم فيه شعب السعودية أو عمان أو البحرين أو الإمارات أو قطر أو الكويت، مقال واحد، وإلا فعليه أن يعتذر هو لشعوب الخليج التي يكذب عليها. السيد أنور الرشيد سأل ايضاً «بأي حق يطالبنا جهاد الخازن بالصوم والنوم والسفر». مرة أخرى، كانت عبارتي «يا ناس الدنيا صيف، سافروا وانبسطوا وصوموا رمضان واشكروا ربكم على نعمِهِ عليكم». والكل يعرف ان الكويتيين يسافرون في الصيف هرباً من الحر. وأقحَمَ المعلّق كلمة «النوم» من دون أن توجد في مقالي. المطروح ليس صراعاً بين دولة الشيوخ ودولة القانون كما يزعم المعلّق، وأقول: ألف مرة الشيوخ في الكويت أو غيرها ولا مرة واحدة ناس من نوع رجل يقلّب موضوعاً في 60 سطراً موجوداً أمامه رأساً على عقب ويحمّله ما لا يحتمل، ويزيد عليه ما يناسب تحامله، فأختتم بنصح اعضاء جمعية العمل الكويتي، إن وجدوا، أن يحذروا كلام الأمين العام ويتأكدوا من مصادره، لأن تطرفه يلغي موضوعيته وصدقيته. [email protected]