هل يعود الأذان ليرفع من مئذنة مسجد زغلول، أحد أقدم المساجد الأثرية في مصر وأكبرها؟ سؤال يلاحقك في كل مكان من مدينة رشيد (la ville de Rosetta) التي تبعد 65 كيلومتراً شرق الإسكندرية، حيث المسجد الذي تحمّل كثيراً من موبقات الزمن والبشر. ولم يشفع له نضاله على مرّ الزمان في الدفاع عن الوطن. فأزهقت أنفاس حجارته وكثير من زخارفه بسبب الإهمال، وانهارت بعض أجزائه، وأكملت المياه الجوفية على ما تبقى منه. شيّد الجامع الذي تبلغ مساحته 5200 متر في العصر المملوكي في العام 785 للهجرة. وعرف ب «أزهر الوجه البحري»، نسبة إلى جامع الأزهر في القاهرة الذي انطلقت منه أيضاً شرارات ثورات عدة أهمها «ثورة 19»، لاتساع مساحته وروعة زخارفه وكثرة أعمدته. وفي العصر العثماني قام نصر الدين علي ابن الحاج بدر الدين محمد بن حجاج نصر الدين، بتمويل من كبار الشخصيات والتجار، بتوسيع الجامع في العام 985 للهجرة. فأنشأ المئذنة الشرقية التي تتألف من 5 طوابق تبدأ بطابق مربع، تعلوه 3 طوابق مثمنة يحمل كلٌّ منها شرفةً، وطابق أسطواني تعلوه قمة المئذنة. يتكون المسجد من جامعين متصلين ببعضهما، ويبلغ طوله 90 متراً وعرضه 48 متراً، وكان يحتوي على 244 عموداً من الرخام والغرانيت، وأنشئ سقفه على شكل قباب صغيرة من الطراز العثماني، شيّدت باستخدام الطوب «المنجور» والأسقف الخشبية المتعددة الطبقات والأعمدة الرخامية والغرانيتية القديمة، والوحدات الزخرفية البديعة. كان «أزهر الوجه البحري» منارة لطلاب العلم في مدينة رشيد، وكان كل عمود فيه يحمل اسم قسم من أقسام العلوم الشرعية. ولمسجد زغلول تاريخ نضالي، فمنه انطلقت صيحات الله أكبر لتعلن بدء مقاومة الحملة الإنكليزية على مصر، حيث اتفق الأهالي على الاختباء في المدينة عندما هاجمت بريطانيا مصر في العام 1807، في ما عرف بحملة فريزر، ففتح الأهالي للجنود طريق وسط المدينة واختبئوا في المسجد والمنازل القريبة منه. وبعد دخول الجنود تعالى صوت الأذان من مسجد زغلول، فانقض الأهالي عليهم وقتلوا معظمهم، وفرّ الباقون في معركة لم تتجاوز الساعتين، وتراجعت الحملة. فما كان من البريطانيين إلا أن قصفوا مئذنة المسجد بالمدافع، وبذلك أصبح المسجد شرارة لمقاومة أهالي رشيد ضد محاولات احتلال مصر. وكان المسجد يستقبل لقاءات الجنود أثناء حرب الاستنزاف بين عامي 1967 و1973. عقب ذلك، عانى تدهوراً شديداً، ومع تعالي الأصوات المطالبة بإعادة بنائه نظراً إلى أهميته التاريخية، وافق المجلس الأعلى للآثار على ترميمه بالتعاون مع وزارة الأوقاف. وفجأة توقفت أعمال الترميم حتى جاءت «ثورة 25 يناير» التي شارك فيها المسجد برجاله وأئمته وشبابه. ثم أعلنت الحكومة المصرية في عهد الإخوان المسلمين استكمال أعمال ترميم المسجد. واعتمد وزير الأوقاف وقتها، مبلغ 5 ملايين جنيه مصري في عهدة حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لتنظيم الإخوان، لاستكمال أعمال الترميم. وظل القرار مجرد كلمات، ولم يجدّ أي جديد في ترميم أكبر مساجد الوجه البحري على الإطلاق. إلا أن التيار المتشدد، سيطر أخيراً على المسجد وأصبحت مهمة الأوقاف أكثر صعوبة. وصار السؤال: هل ينجح مسجد زغلول في الصمود لمقاومة الاحتلال الفكري المتشدد بعدما قاوم الاحتلال الإنكليزي؟