لو أردت لزاويتي المنزوية هذه أن تكون الأكثر قراءة وانتشاراً لجمعت كل أخبار النميمة المؤلمة والمفرحة المستقاة من المجتمع الذي أعاشره أو لا أعاشره وكتبتها. فكلكم تحبون النميمة، ومن كان منكم بلا نميمة فليرشقني بكلمتين! فالنميمة باتت طريقة حياة لنا. النميمة بسوئها ومساوئها تسلينا وتسلبنا أحلى ما فينا. وعندنا الإنسان المسلي أو بالأحرى المرأة المسلية هي المرأة التي تتمتع بقدر كبير من سرد قصص النميمة بطريقة ذكية. فهي خبيرة في حد إيجاد الكلمات المناسبة والروايات، التي ينبغي سردها وأيضاً استنباط التعابير الأعمق في كلمات وجيزة لتكتمل الحبكة، بحيث لا يعود بمقدور إحداهن العودة إليها لمساءلتها عن صحة الخبرية أو نقلاً عن من؟ أو عتاب مِن مَن؟ تلغم القصة للدلالة والتفادي، تفادي المشكلات، فأكثر مشكلاتنا بسبب النميمة، ويا ليتنا النم وراءه سبب أبداً على الفاضي والمليان لنتسلى. لذا فعلى النمام أن يكون على قدر عالٍ من الذكاء، بحيث لا نقوى على عتابه أو ملاحقته. ويا ضياع هذا الذكاء الذي سخرناه للنميمة. فقط من أجل أن نتسلى. بدنا نتسلى ونبتعد عن دنيانا المضطربة. بماذا؟ لا رياضة لا قراءات لا ترفيه حتى لا شغل ولا مشغلة ولا هواية. بماذا إذاً بالحكي بالنميمة! يا ليتني أتسلى بأكل الفصفص كان أفضل لي من مشكلات النميمة. لكن لا أحد يرغب فيك إن لم تنم معه وعليه. ثم عن ماذا نتحدث؟ عن البحتري؟ عن ارنست همنغواي؟ عن الفارابي؟ عن غلغامش؟ عن الأخبار السياسية، أما يكفي ما تحتويه نشرة الأخبار العربية من آهات وونات وموال من بغداد إلى غزة. أخبرني عمّا نتحدث؟ عن الأنروا أو اليونيفيل أو فرارات وقرارات الأمم المتحدة؟ عن الأسهم خرابة البيوت العامرة أو آخر عمل فني لا يخص هيفاء أو نوال أو آخر نكتة حلوة؟ آخر نكتة سمعتها قبل ألف سنة. مؤكد بعد الديناصورات ويمكن الديناصورات كانوا يضحكون ونحن لا! نسيت أن هناك نكتة أو ضحكة من القلب أو فرفشة أو عيوناً تتلاقى محبة وشفاهاً تذوب في الابتسامة. الابتسامة هي اختصار لجميع التعابير.هي مفتاح القلوب. هي رد فعل عفوي لكل المشاعر. لكنني لا أرى أحداً يبتسم، لا الخادمة ولا النادل في المطعم ولا مديرتي ولا زميلتي ولا سائق الليموزين المجاور لسيارتي. لا أحد يبتسم ولو دغدغتهم. الكل يريد أن يفش خلقه وغله في الكلام عن الناس ولو خلص الكلام في الناس ننم عن أنفسنا وأهل بيتنا. ولو سألت أياً كان ممن تعرف أو لا تعرف عن هوايتها المفضلة ولو كانت صادقة في الرد لأجابت بكل أريحية: هواياتي النم والنميمة والحش! حتى ان بعض وسائل الإعلام العربية، بل الكل لو الهوى هواهم والمزاج مزاجهم، ما عندهم غير نميمة. لا بحث لا دراسة لا إحصاءات لا تحليل علمي. كارثة! طبعاً كارثة. فمنذ زمن بعيد لم أوفق في إنهاء قراءة أي مقالة على نحو فعلي. بل ان البعض من القراء عندما يصادفهم مقالة يحبونها، يهللون ويفرحون ويقصونها من الصحيفة ويتبادلونها فرحاً. فبماذا يتسلى القارئ إذا انعدمت حكاية الشغف بينه وبين الكاتب؟ يتسلى بحكايات الفضائح لورثة في المحاكم أو شركة أفلست أو مسؤول أحب أو راقصة طلقت أو أي ثرثرة تحتوي على فضائح. ثم نعود لمجالسنا العائلية والاجتماعية لنتناول هذا القصص التي ستسهم في خلق الجديد من المواضيع وإراحة معارفنا بعض الوقت من خلق القصص عنهم وعليهم وحواليهم لحد هنا وماشي الحال. لكن ماذا لو كنت أنت موضوع نميمتهم؟ خذ النصيحة من خالتي أم النم التي تذكرني أن النميمة نحلة مزعجة وقرصتها تصيب بالالتهاب. لذا لا ينبغي القيام بأي حركة حيالها، ما لم تتأكد أنك ستقضي على النحلة، وإلا فيا ويل ويلك لو أخطات في الدفاع لعادوا إلى الهجوم عليك. لذا لا أريدك يا نحلة ولا أريد عسلك ولا قرصتك. هذا بالمختصر هو مجتمع النمامين والنمامات: نحلة ودبور. الأفضل لي إذاً أن أسكت عن قول النميمة لأنه فعل حرام، حرام لكنني لو سكت عن النميمة هل سيبقى لي مجتمع ومعارف وناس؟ ومن منكم سيهاتفني ليسأل عني من دون سؤال العادة: شو الأخبار يا أم أخبار؟ وكلنا أم أخبار وأبو أخبار «بنجيب أخبار وبنودي أخبار»! خلف الزاوية هذا المساء سأكون وحدي لن تجيء ولن تهاتفني ولن تضع الزنابق في الإناء فقصيدة الحب انتهت ... وكأننا معها انتهينا وانتهى زمن اللقاء [email protected]