أقر الاتحاد الأوروبي أخيراً مجموعة من القيود على استخدام بعض أنواع المبيدات الزراعية، ضمن مساع تهدف لإيجاد حل لظاهرة تقلص أعداد نحل العسل. وعلى نطاق عالمي أثارت هذه الظاهرة قلقاً متصلاً لدى نشطاء البيئة. ويذكر أن إذاعة «مونت كارلو» الدولية كلفت الزميل حسان التليلي، وهو اختصاصي في سوسيولوجيا الأرياف وناشط بيئي، إعداد ملف عن ملكات النحل في العالم العربي التي تتعرض لانقراض بطيء يهدد تكاثر النحل وإنتاج العسل في العالم العربي. لا نحل...لا بشر! في سياق الاهتمام بظاهرة تقلص أعداد نحل العسل، وجهت أصابع الاتهام إلى المبيدات الزراعية، خصوصاً تلك التي تدخل مادة ال «نيكوتين» في تركيبتها. والمفارقة أنه ساد افتراض لوقت طويل بأن هذا النوع من المبيدات لا يحمل ضرراً كبيراً على الحشرات النافعة والحيوانات اللبونة، وهما نوعان مترابطا المصير إلى حد أن البعض يقول إن اليوم الذي تشرق شمسه فلا تجد نحلاً، تغيب من دون أن يكون على الأرض بشر. ويشهد شهر أيار (مايو) سنوياً، تحول مساحات واسعة من حقول اللفت في أرياف فرنساوألمانيا وبريطانيا، شرشفاً ذهبياً لامعاً، إذ يستخدم اللفت في بلد كألمانيا في إعداد زيت الطعام وأعلاف الماشية. ويستهلك مزارعو ألمانيا قرابة 5 ملايين طن من بذور اللفت، ينثرونها على مساحة تقارب 1.5 مليون هكتار. ويستخدم هؤلاء المزارعون مبيدات ال «نيكوتين» لمكافحة أنواع مختلفة من الآفات، مثل خنافس حبوب اللقاح، وسوسة جذع الملفوف، وبراغيش قشرة القرنبيط وسواها. ويدخل حظر هذه المبيدات في نهاية عام 2013. ويعتقد أن مبيدات ال «نيكوتين» مسؤولة عن تقلص أعداد النحل، في شكل مباشر. وتضمن الحظر الأوروبي إشارة إلى السماح باستخدام مبيدات ال «نيكوتين» في حماية المحاصيل التي لا يميل إليها النحل ولا يعتمدها مصدراً لغذائه وعسله. ولاقى الحظر الأوروبي ترحيباً من مربي النحل ونشطاء البيئة ك «منظمة السلام الأخضر». في المقابل، يتوقع أن يثير حظر مبيدات ال «نيكوتين» حفيظة من يعتمدون على زراعات يتغذى عليها نحل العسل، ما من شأنه أن يثير تضارباً أول من نوعه بين مزارعين ونشطاء البيئة. ويزيد في تعقيد الصورة، أن النحل يميل أيضاً إلى زراعات غذائية أساسية، خصوصاً الذرة (وهي مصدر للزيت أيضاً، وتصل مبيعاتها عالمياً إلى بليوني دولار سنوياً)، ما يهدد بتفاقم التناقض الغرائبي بين المزارعين وحماة البيئة! وفي هذا السياق، حذرت جماعات ضغط أوروبية تهتم بحماية المحاصيل، من تأثير سلبي لحظر مبيدات ال «نيكوتين» على الزراعة أوروبياً، موضحة أن الحظر ربما أدى لخسارة 22.1 بليون دولار سنوياً في الأعوام الخمسة المقبلة، مع إمكان دفع مليون شخص إلى هاوية البطالة. بلا بدائل في سياق متصل، لا يلوح في الأفق القريب إمكان ظهور بديل فعال لمبيدات ال «نيكوتين»، إذ يكلف تطوير مادة فعالة لتكون مبيداً للحشرات، قرابة 200 مليون دولار مع جهود لنحو 2500 عالم، وزمن ربما امتد إلى عشر سنوات. ففي عام 2005، سحبت سويسرا تراخيص ل 124 مبيداً زراعياً، لدواع تتعلق بأمن المزروعات وسلامة المزارعين أيضاً. وعلى نحو متزايد، تهتم السلطات العلمية في الاتحاد الأوروبي بملف المبيدات الزراعية، وتطالب الشركات بإثباتات علمية بشأن سلامة المبيدات، حتى بالنسبة إلى الأنواع الموضوعة قيد الاستخدام منذ فترة طويلة. وتشدد السلطات العلمية الأوروبية على ضرورة إثبات سلامة هذه المواد بالنسبة للكائنات الحية، بطريقة تتفق مع القواعد العلمية الموثقة. في المقابل، ينظر نشطاء البيئة بصورة إيجابية إلى هذا التشدد العلمي، بل يرون أنه ساهم في دفع الشركات لصنع مبيدات حشرية مأمونة. ولفترة طويلة، مثلت مبيدات ال «نيكوتين» أداة فعالة بيد المزارعين لحماية البذور على نطاق واسع. وفي المقابل، حمل تقلص أعداد نحل العسل مخاطر بيئية متنوعة، بينها تهديد الأمن الغذائي نظراً إلى الموقع المميز الذي يحتله العسل في سلة غذاء البشر. وظهرت بحوث علمية أكدت أن مبيدات ال «نيكوتين» تؤثر في ذاكرة النحل وتشوشها، ما يؤثر في مجمل عمل هذه الحشرة، خصوصاً أثناء العمليات المتصلة بصنع خلايا العسل وشهده أيضاً، إضافة إلى تنقلاتها المرتبطة بتخصيب النباتات والأصناف الزراعية أيضاً. وقامت الجهات المعنية بالاستشهاد ببحوث تظهر أن السم الذي يؤثر في الجهاز العصبي المركزي للآفات، يهدد ذاكرة النحل ويجعلها مشوشة، مما يؤثر في توجيه هذه الحشرة وتنقلاتها. وثمة أصوات تعالت مطالبة بالاعتدال، عبر إشارتها إلى أن حظر مبيدات ال «نيكوتين»، على رغم استعمالها الآمن لفترة طويلة، يتطلب أيضاً إثباتات علمية قوية بشأن تأثيره سلبياً على نحل العسل.