عاد سميح شقير، فنان الثورة السورية، ليطل على جمهوره مساء أول من أمس، في حفلة غنائية استضافها «مسرح الشهيد رفيق الحريري» في معهد العالم العربي في باريس، شهدت إقبالاً جماهيرياً منقطع النظير. صاحب أغنية «يا حيف» (2011) التي اعتبرت أغنية الثورة السورية ضد النظام، تشهد حفلاته إقبالاً جماهيرياً غير مسبوق، خصوصاً في باريس التي تقيم فيها جالية سورية كبيرة. وفي آخر حفلة شهدتها مدينة الأنوار، قبل أشهر، نفدت التذاكر التي كانت معروضة للبيع بسرعة فائقة. خلال حفلة أول من أمس، قدّم شقير مجموعة من أفضل أغانيه، إذ بدأ مع «فكر بغيرك» وهي قصيدة مغناة لمحمود درويش تعبّر عن مزاج عام لدى السوريين الذين يكسوهم الموت والفراق والألم والتشرد في مخيمات الشتات. ثم أدى قصيدة «تنسى»، ليقاوم بصوته النسيان الذي يطاول قضية الشعب السوري. ولا بدّ من تأدية «غرفة صغيرة» الأغنية التي تستحضر ذكريات نضال رفاق اليسار في القرن المنصرم. واستجلبت أغنية «سألت بياع العنب من وين؟ قلي العنب دوماني»، ذاكرة الأمكنة التي يحنّ اليها السوريون، فاشتعل المسرح بالتصفيق وصدحت حناجر الحضور غناءً مع شقير، ودقت أوتار الآلات الموسيقية على الوتر الحساس للجمهور الذي وصل به التأثر الى حد البكاء. وأنهى شقير الحفلة التي امتدت أكثر من ساعة ونصف الساعة، بأغنيته الشهيرة «يا حيف» التي ردّد كلماتها الجمهور بحماسة وانفعال عاليين. وقد وفى شقير بوعد قطعه على جمهوره، بتأدية أغان جديدة في هذه الحفلة، مقدّماً للمرة الأولى «اشتقت للشام» التي تستحضر باللهجة الشامية الشوق والحنين لدمشق وحواريها. كما غنّى «البحر قادر» التي ترسم بالكلام والنغم ظاهرة مراكب اللجوء التي استقلها السوريون قاصدين الضفة الأخرى، هرباً من ويلات آلة حرب النظام والفقر. الكلمات التي أنشدها شقير، صدرت من بين حشرجات وتأوهات مفعمة بالحزن المتراقص على حبال أرواح السوريين. فالأغنية التي تخرج من فمه، لم تكن مجرد أغنية بل كانت حياة بكاملها يعيشها الجمهور، من خلال انفعالاته التعبيرية وحركاته الأدائية. جذوره الأدائية المعتمدة على الفصحى، لم تكن السكة الوحيدة التي سلكها شقير هذه المرة، إذ اختار أن تكون العامية حاضرة لتضفي على صوته الجميل المتعدد الأبعاد، حالة تكاملية لا تُحدث قطيعة مع الموروث بل تساهم في تطوره. وحرص على تنويع طبقات الصوت بطريقة يتجنب فيها الوقوع في مطبات العبثية ونسيان أصوله الأدائية الأساسية، مظهراً احترافية مميزة نتيجة تراكم الخبرات. أما الآلات الكثيرة التي اصطفت على المسرح، فتنوعت بين العود والبيانو والغيثار والتشيلو والدف والبزق. يبقى أن انسجام الجمهور مع شقير ومواظبته على الحضور المميز لحفلاته، خصوصاً بعد بدء الثورة، يظهران مدى اهتمامه بصوته وموسيقاه، ويظهران أن لقب «فنان الثورة السورية» لم يكن عبثاً أو مقولة طارئة، بل تسمية متجذرة ومتأصلة يستحقها.