يحق للبشر التباهي بوصول حضارتهم مباشرة، للمرّة الأولى، إلى مذنّب في قلب النظام الشمسي، لكن هناك من يرى أن «الروبوت» ربما كان أحقّ بالاحتفاء بتلك الخطوة. هناك فرح عالمي بالوصول إلى قلب المذنّب «67/بي شيريميوف - غيراسيمنسكي» عبر هبوط الروبوت «فيلة» Philae على سطحه، تمهيداً لاختراقه بمجسات متطوّرة. ومركبة الفضاء الأوروبيّة التي حملت الروبوت إلى المذنّب صنعتها «وكالة الفضاء الأوروبيّة» وسمّتها «روزيتا»، والاسم يعني «حجر رشيد» الذي اكتشفه عالم المصريات الفرنسي شامبليون وكان مفتاح اللغة الهيروغليفيّة. وكذلك اشتق اسم الروبوت من جزيرة «فيلة» النيليّة الفرعونيّة. ووثّق محرك البحث «غوغل» الحدث بأن خصّص له الصدارة في صفحته الدوليّة، وكذلك في الصفحات المحليّة للدول كافة، بمعنى أن عيون البشر طالعت معاً ذلك الفرح الشبكي الغامر بالإنجاز الفضائي. وليس الفرح زائفاً أبداً، إذ يكفي القول إن المذنّب»67/بي» تكوّن قبل 4.6 بليون سنة (وهو تاريخ ولادة منظومتنا الشمسيّة نفسها)، ما يعني أن تركيبته تمثّل أرشيفاً كاملاً عن تاريخ تلك المنظومة وتطوّرها. ولأن «وكالة الفضاء الأوروبيّة» بلغت سنواتها الخمسين هذا العام، يمكن إدراج الإنجاز الفضائي في إطار احتفالها بالمناسبة. واحتاجت «روزيتا» عشر سنوات كي تقطع ال6 بلايين كيلومتر التي تفصل الأرض عن المذنّب «بي/67». وحملت 21 جهازاً لدراسة تركيبة المذنّب وقوة جاذبية حقله المغناطيسي ودرجة حرارته. ويمكن القول إن قفزة «فيلة» على المذنّب «بي/67» تعني وصول البشر إلى تفكيك الأصل الذي انبثق منه الكوكب الأزرق والكواكب السيّارة الباقية التي تدور حول الشمس. وعلى غرار جملة شهيرة قيلت عندما خطا رائد الفضاء الراحل نيل أرمسترونغ على القمر عام 1969، يمكن القول «إنها قفزة صغيرة للروبوت، لكنها قفزة كبرى للبشريّة». وتقود الكلمات عينها إلى رسم فكرة التفوّق المتصاعد للروبوت على البشر في مغامرة اكتشاف الفضاء، التي تشكّل واسطة العقد في مغامرة العقل الإنساني لمعرفة الكون. وسبق الروبوت الجنس البشري إلى المريخ، عبر مجموعة من مسابر الفضاء الروبوتيّة، والأهم هو سبق السير على الكوكب الأحمر، عبر سيّارتي الاسكتشاف الروبوتيتين «أوبورتشونيتي» و «سبيريت» وليس القول إن أول كوكب سيّار توجّه إليه البشر خروجاً من كوكبهم السيّار، كان الكوكب الأول الذي سار عليه الروبوت بتألّق. هناك علماء يرون أن الإنسان وصنيعته الروبوت متكاملان، فيما يرى آخرون في الروبوت «منافساً» فريداً للبشر، ويستحق هذا الأمر نقاشاً آخر. وبعد أن ترك الروبوت «فيلة» المركبة «روزيتا»، تقافز مرتين على سطح المذنّب، واحتاج ساعتين قبل أن يستقر على السطح الثلجي البارد (72 درجة تحت الصفر) لذلك المذنّب. ومنذ ملامسته، يواصل «فيلة» ضخّ كميات كبيرة من المعلومات التي تعمل «روزيتا» على إرسالها إلى الأرض، تحديداً إلى وكالتي الفضاء الأوروبيّة والأميركيّة. في المقابل، أثار تقافز «فيلة» قلقاً من عدم استقرار نظام الارتكاز فيه، ما يمكن أن يعيق استقراره على سطح المذنّب قبل أن يغرز مجسّات استكشافية تخترق السطح.