جاهل من يعتقد أن الخلافات الرياضية التلفزيونية أو حتى الإلكترونية، تنتهي بالرد الأخير، وأحمق من يظن أن التعصب الرياضي يجسده هوس مشجع بسيط بحضور كل المباريات أو رفضه النقاشات الرياضية التي تنتقص من قدرات فريقه، فالحكاية الرياضية لن تنتهي هنا. القصة القصيرة «المرعبة» تبدأ في ملعب ممتلئ إلى آخره بمراهقين تقف أحلام حياتهم كاملة على مباراة، يتناسون خلالها أن الحياة لا تنتهي هنا، وأنها تستمر بفوز أو بهزيمة، وبلقب أو من دونه، لكن ذلك يغيب عن حسبانهم على الأقل في لحظة غضب! حينها وحينها فقط يسترجع أحدهم كم الكراهية التي شحن بها طوال الفترة الماضية إعلامياً وحتى إلكترونياً، وبناء على ذلك يتخذ قراره بإلقاء عبوة في الاتجاه المقابل لتصطدم بمن يشاطره الفكر ذاته مع فارق الميول... هنا فعلاً يبدأ حصاد كل ما تم طرحه إعلامياً. لنقل إن رجال الأمن نجحوا في السيطرة على الهيجان الجماهيري في المدرجات، لكنه بطبيعة الحال انتقل إلى الخارج، وبدلاً من عبوات المياه الفارغة، تبادلت الجماهير إلقاء الحجارة، مع تبادل اللكمات، هل ستنتهي تلك المعركة بانتهاء البث أو «تسجيل خروج» أم أن القتال سيستمر وسط محاولات أمنية بوقفه بأقل عدد من الضحايا. اليوم وبعد غياب طويل يعود الصراع ليحتدم بين قطبي العاصمة، ومعه عادت لترتفع حدة النقاشات الكروية، ووسط حرية إعلامية رياضية مسؤولة و«غير مسؤولة»، تبدو تلك النقاشات الرياضية بعيدة عن نهايتها، المشاهدات الإلكترونية باتت المؤشر الأهم بالنسبة لأغلب المعدين والمقدمين وهي التي تقول إن أسوأ الحضور وأضعفهم أكثرهم جلباً للمتابعة، وخصوصاً من بين نجوم الأزمنة الماضية، لذلك تتسابق القنوات على هفواتهم وإساءاتهم، وبتالي فالقيمة الرياضية المقدمة خواء لا يعني أحداً. كذب وإساءة وتهم تلقى جزافاً وعبارات تحضر لأجل الاستفزاز والإساءة لا لشيء آخر، وسط كل ذلك يصرخ المذيع: إننا نقدم الحقيقة، الحقيقة كاملة، بحياد تام ومطلق، نحن لا نتبنى تلك الآراء لكننا نكفل للجميع حق تقديم آرائهم من دون «إساءة» وللجميع حق الرد، نسي أو تناسى أن الإساءة حضرت مغلفة مرة وعارية مرات. الضحية مشجع يمتلئ بما لا يعرف، فيتعرف على الكره والغضب، ويقتنع بوقوع الظلم، فيبحث عن رده، مرة في «تويتر» وأخرى عبر «يوتيوب» قبل أن يقتنع بالمثل الشعبي القائل «ما حك جلدك مثل ظفرك» لينتقل العدوان إلى الملعب، وهنا لا أحد يملك سيطرة، فوحده الشيطان يرقص فرحاً وسط زحام الدماء. لن نكون يوماً أفضل من إنكلترا أو إيطاليا، في تنظيم المسابقات الكروية، ومع ذلك فكلتا الدولتين عانتا مجازر ارتدت حلة الرياضة وراح ضحيتها، أبرياء وحمقى غاضبون. اليوم لا نبدو بعيدين عن ذلك... اليوم يقول واقعنا ألا ننتظر أكثر من تحول أسوأ كوابيسنا إلى واقع لا نعرف إلى الهروب منه سبيلاً، بعدها علينا أن نشكر الحقيقة والحياد و«حق الرأي». [email protected] adel066@