أغمض عينيك للحظة، وتخيل أن الجماهير الكروية السعودية قررت أن تسير على خطى نظيرتها الخليجية، وتهجر البطولات المحلية لتتفرغ لمتابعة كرة القدم «الحقيقية» في أوروبا، تخيل أن الملاعب عاشت خواء يفوق ما عاشته الموسم الماضي، وأن تلك العدوى انتقلت إلى جماهير الشاشات فهجروا المتابعة أيضاً. بعد كل ذلك تخيل أن الإعلام تخلى عن تغطية فعاليات الدوري بالشكل الموسع وبدأ بالتدريج يقلص صفحات تغطياته المحلية، وينقل منافسات كرة القدم «الحقيقية» بحثاً عن القراء والمتابعة. والآن تلمس ذلك واقعاً، ها نحن نشاهد اليوم الهروب الجماعي للجماهير السعودية، نتابعها تتعرف بالتدريج على قيمة ما ينقص بطولاتها المحلية، تتسابق على تبادل صور تذاكر المباريات الأوروبية التي تقطع آلاف الأميال طيراناً لحضورها. الجماهير استشعرت في الأعوام الأخيرة قيمتها، عرفت أن حضورها للمعلب يعني نجاح البطولات وبناء الأندية، وصناعة رياضة وطن كامل، أدركت أن الرياضة ليست أكثر من صرخة هدف أو جنون مدرج، أو زحام ما بعد المباراة. تلك المعرفة، وعلى رغم قيمتها البارزة في بناء جيل كروي واعي، إلا أنها تمثل سماً قاتلاً لرياضة وطن تعيش أسوأ مراحلها، الجماهير التي تتغنى بملاعب إنكلترا أو إسبانيا باتت تتساءل اليوم بطبيعية، كيف ينتظرون منا الحضور وملاعبنا تفتقر أبسط أساسيات الحضور الجماهيري؟ وهل يعقل أن أضمن مقعدي في أي ملعب عبر الانتظار على كرسي بلاستيكي لأكثر من 6 ساعات وسط درجة حرارة تزيد على ال40 مئوية. وعي الجماهير يعني ببساطة أنها ستكتشف عاجلاً غير آجل أن الأندية العاجزة التي تترجى في كل موسم أعضاء شرف لدفع ما تجود به أنفسهم فقط لتسيير أمور النادي، سيقتلها فقرها قبل أن يقدم لاعبوها كرة قدم ممتعة. الحقيقة تقول أن الجماهير صبرت على هشاشة البطولات السعودية وضعف أنديتها وعشوائية أنظمتها وسوء تنظيمها، فحضرت ودعمت بتعصب أحياناً وبدونه في أخرى، فخلقت أجواء المنافسة، لكنها في المقابل قادرة على أن تهجر ملاعبنا وشاشتنا، قادرة على أن تغرق مواقع التواصل الاجتماعي بأخبار الأندية الأوروبية، وأن تحول المنافسات المحلية إلى أرشيف ذاكرتها. مصير الكرة السعودية معلق بالجماهير، فهي وحدها القادرة على صناعة لعبة وقتل أخرى، إن لم تقتنع فحاول من دون الرجوع إلى «غوغل» أن تحدد ثلاثي الصدارة للموسم الماضي في أي لعبة باستثناء كرة القدم. على رغم كل ما سبق كل شيء في رياضتنا يتغير إلا حقوق الجماهير فتلك تختفي، البعض يعتقد أن مطالبات اللاعبين للجماهير بالحضور أو التغني بهم من وقت إلى آخر هو الحق المنتظر، الجماهير تبحث عن احترام حقيقي، احترام تنطقه الملاعب ومدرجاتها وخدماتها، احترام تعترف به قوانين الاتحاد السعودي لكرة القدم، احترام ينعكس في نقل تلفزيوني «فاخر» مقنع ومستحق. إما ذلك أو «تسريح بإحسان»، استمروا في تجاهلهم وامنحوهم فرصة الرحيل بهدوء، لكن لا تعودوا لاستجدائهم لاحقاً أو مطالبتهم بدعم «رياضة وطن» لم تعترف بهم في سابق الأيام. [email protected] adel066@