اللبس واحد «بشت» وشماغ وعقال لكن بلاك القلب وشو مرامه؟! يذكرني هذا البيت المعبر عن حالنا المريرة التي نشكو منها، فاللبس واحد «بشت» وشماغ، لكن بلا «عقال»! فمن الأعراف الماضية منذ قديم الزمان أن لكل فئة من فئات المجتمع زياً يعرفون به، فقد أورد ابن مسكويه في تجارب الأمم عن أزياء مجتمع الدولة العباسية مثالاً، كان «لباس الخلفاء قلنسوة محددة وقباء أسود وتاج مرصع بالجواهر. وكان الخليفة يلبس طوقاً وسوارين من الذهب المنظوم بالجواهر. وكان لباس الوزراء يتألف من الدراعة والقميص والمبطنة والخف وعمامة سوداء كما كان الكتَّاب والعلماء يرتدون الدرايع والطيلسان والعمامة التي يختلف حجمها باختلاف السن والمكانة، أمَّا القضاة فلم يكن لهم زي مخصوص، وعندما تقلَّد أبويوسف منصب قاضي القضاة زمن الخليفة هارون الرشيد، ميَّز القضاة بلباس خاص يُعرفون به، وأصبح القاضي يعتمّ بعمامة سوداء على قلنسوة طويلة». وهكذا درجت المجتمعات في أعراف وتقاليد متوارثة، وفي حياتنا المعاصرة اليوم أضحى للعلماء والقضاة والأئمة والخطباء وغيرهم من الوعاظ والمرشدين هيئة يعرفون بها من شماغ (بلا عقال) وعباءة «البشت» مع إعفاء اللحية ورفع الإزار إتباعاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وشاع في معظم مجتمعاتنا الخليجية أن من بدا بهذه «المظاهر» خلعت عليه العامة لقب «الشيخ» أو «المطوع»! لا مشاحة في الاصطلاح كما يقول أعمامنا الأصوليون، وليست القضية في الأزياء أو الألقاب والمظاهر بل القضية الجديرة بالتأكيد والتذكير والتنبيه والتشهير هي أنه ليس كل من بدا بهذه المظاهر صار عالماً أو شيخاً، وليس بالضرورة أن يكون من أهل العلم أو طلابه، لا سيما مع ثورة التقنيات وانفتاح المجتمعات واستعار الفضائيات واختلاط السمين بالغث! فمن المؤسف في بلادي أن العَالِم والمدمن السابق وإمام المسجد والمفحط التائب والراقي ومفسر الأحلام وعاقد الأنكحة كلهم يُنادى ب«فضيلة الشيخ»! بل حتى مدرس الرياضيات والعلوم ومحضّر المختبر إذا كان بهذه الأوصاف فهو شيخٌ أيضاً! ولا يلام من كان قليل البضاعة في العلم أو من كان محدود الإدراك والفهم بأن يرجع في أمور دينه إلى من ليس أهلاً لما ظهر له من حاله، وإن كان يتأكد في حقه السؤال والتحري، لكن اللوم كل اللوم على من تصدر إلى الناس، وهو ليس بأهل! وعلى رغم اجتهاد علمائنا، وسعي أهل الفضل فينا إلى بذل الوسع والطاقة، فإن ظروف الزمان وانفتاح الفضاء في كل أوان مع فشو جهل وقلة إيمان، أسهمت هذه العوامل كلها في بروز صور مؤسفة لا يحجزها إلا التوبة إلى الله، ولن يردعها إلا تقوى من الله حاجزة، فعلى كل من تصدر لإمامة الناس أو الخطابة أو التدريس أو الفتيا أن يتقي الله تعالى في نفسه وفي من يخالطهم، وليعرف لنفسه قدرها وليعرف لأهل العلم فضلهم ومكانتهم، ويرشد الناس إليهم، وإلا فلا يلومن بين يدي الله إلا نفسه، ولا يخافنَّ إلا ذنبه. اللهم احفظ لنا علماءنا، وبارك في أعمارهم وأعمالهم، واكفهم شر الأشرار وكيد الفجار وشر طوارق الليل والنهار. «إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ إن الله عزيز غفورٌ». [email protected] YazeedHh@