اعتصامات، مسيرات، تظاهرات، اقتحامات، تعطيلات، تفجيرات، تفخيخات، تعاقدات، والآن تسريبات. إنها خطط الإخوان والأخوات التي تتنقل من محطة إلى أخرى، ومن مرحلة إلى غيرها بسرعة وخفة ورشاقة تثبت دقة التنظيم وتبرهن على متانة التجهيز وتؤكد تدفق التمويل. فمن اعتصامات تم فضها، إلى مسيرات تتعرض للمحاربة، ومنها إلى تظاهرات يجري تفريقها، ثم اقتحامات يخطط لها، وتعطيلات ينظمون لها، وتفجيرات تحظى بالرضا والقبول، وتفخيخات تسعد الصدور، وتعاقدات خارجية لتجميل الوجوه وتصعيد الأمور، والآن حان موعد الجماعة مع المحطة الجديدة ومرحلة التسريبات السديدة المؤدية إلى محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي بعد أسبوع واحد بالتمام والكمال. ويجد الناطق السابق باسم التنظيم الدولي لجماعة «الإخوان المسلمين» كمال الهلباوي وهو عالم ببواطن أمور وسيكولوجية الإخوة والأخوات يجد في اعتناق الجماعة منهج التسريبات جزءاً لا يتجزأ من حرب المعلومات التي تخوضها هذه الأيام، حيث محاولات تعبئة الرأي العام من خلال صحف صديقة ومواقع إلكترونية حليفة وأخيراً شبكات تحمل مقاطع الفيديو التي يظنون أن من شأنها أن تخدم الشرعية وتدعم الشريعة وتقلب الانقلاب وتعطي مشروع الخلافة قبلة الحياة. قبلة الحياة التي يتم تحميلها بكل همة ونشاط هذه الأيام المؤدية ترفع سلاح التسريبات، وهو السلاح الممنهج الذي جيشت من أجله جيوش الجماعة الافتراضية وحشدت له حشود أنصار الشرعية الانتقامية باعتبارها وسيلة من وسائل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من كيان الجماعة الآخذ في الانهيار. فعلى عكس الانهيار الجزئي أو الكسر القطعي أو الخرم غير المرئي الذي يصيب أنبوب المياه فيسبب تسريباً غير مقصود، تقف التسريبات السياسية على طرف النقيض حيث الانهيار المقصود والكسر المفعول والخرم الحادث مع سبق الإصرار والترصد. «رصد» الشبكة «الإخبارية» التابعة ل «الإخوان» والتي تتخذ من عبارة «انقلاب 3 يوليو» المضرجة بالدماء شعاراً لها أعلى صفحتها، تتقمص هذه الأيام دور «ويكيليكس» المعتمد على فكرة التسريبات السياسية لمختلف الدول، إلا أن تخصص «رصد» الوحيد هو وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي، حتى إنها خصصت صفحة قائمة بذاتها عنوانها «تسريبات رصد». ولأن ضرورات المرحلة الآنية مع بدء العد التنازلي لمحاكمة مرسي تعني حتمية التشبيك ووجوب التضامن وثبوت التفعيل، أخذ القائمون على أمر المواقع الصديقة وأصحاب التغريدات والتدوينات ذات الأصابع الأردوغانية والصحف المتحالفة والقنوات العربية المعنية بالشأن المصري أكثر من اعتنائها بشأنها الداخلي والأفراد المؤلفة قلوبهم على دعم الشرعية والامتثال لأوامر الجماعة على عواتقهم مهمة تعميم سلاح التسريبات أملاً بإلحاق الأذى وإلصاق التهم وتكبيد «العدو» أكبر كم ممكن من الخسائر النفسية علها تصيبه في مقتل أمني في يوم «عيد الحب» الموافق 4 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. ومن «هاشتاقات» لا أول لها أو آخر، إلى تكرار البث والتنويه على متن قنوات مثل «الجزيرة مباشر»، إلى «لايك» و «شير» على «فايسبوك»، تدور دوائر التسريبات «الإخوانية» لكن في دائرة مغلقة على نفسها حيث التسريبات المتخصصة تدور في فلك الجمهور المتخصص وتنضح بتعليقات متخصصة لا تخرج عن إطار الجماعة ومن يحبها ويدعمها. داعمو القوات المسلحة ووزير الدفاع السيسي على الطرف الآخر ينظرون إلى سلاح الجماعة التسريبي باعتباره إحدى رقصات الموت التي تؤديها الجماعة. وعلى غير العادة البشرية الأصيلة حيث عشق الإطلاع على الأسرار والسعي إلى النظر عبر الأسوار والرغبة في كشف المستور، اختار المصريون قراراً جماعياً انقسم بين فرض حظر اختياري على مشاهدة التسريبات أو تكذيب ما يرد فيها بحزم وإصرار أو مشاهدتها ثم التأكد من أن العناوين «الإخوانية» للمقاطع ما هي إلا استهلاك للإثارة من دون إشارة إلى المضمون الخالي غالباً مما يشين أو يفضح. لكن فضائح «الإخوان» وأسرار التنظيم وكواليس عام من حكم مرسي تظل هي الأخرى سلاحاً حاداً في أيدي الفريق المضاد، حيث العين بالعين والتسريب بالتسريب، والبادي أظلم. وتظل التسريبات المدنية ذات الميول الليبرالية أطول يداً وأكثر تأنقاً وأذكى تناولاً وأعمق أثراً. فمن «إخواني» منشق متحدثاً عن خطط الجماعة لهدم مدنية الدولة، إلى خبير أمني كاشفاً نية «الإخوان» تحويل مصر إلى سورية، إلى محلل استراتيجي متأهب مفنداً تجهيزات التنظيم الدولي لاستعادة كرسي الحكم، إلى إعلامي تلفزيوني مؤكداً تحالف قوى الشر الغربية والإخوانية ضد مسار الديموقراطية في مصر، إلى كاتب سياسي ناشراً رؤيته حول بالوعة الحكم الديني وتقسيم مصر من أجل الخلافة، إلى «مصادر رفضت ذكر اسمها» تشرح بإسهاب كواليس مرسي في القصر حيث أجهزة التنصت وجلسات التقسيم ومكالمات المشورة مع المقطم وزيارات الإخوة من الجهاديين والتكفيريين، يدور المصريون من شعب وجماعة في أفلاك التسريبات والتسريبات المضادة. فهؤلاء يرون في منامهم حلماً جديداً خالياً من التسريب حافلاً بنقاط مضيئة وخطوات جريئة في خريطة طريق تنقلهم من غياهب الثورات والمراحل الانتقالية إلى نور دولة مدنية حديثة، وأولئك يرون في منامهم رؤى لمرسي عائداً على حصان أبيض وقاطعاً لرقاب الخونة لينقلهم من دولة الكفر والانقلاب إلى الدولة الإسلامية حيث عودة الشرعية ودستور 2012 وبالطبع عودة مرسي إلى القصر.