قبل ثلاثة أشهر تقريباً، أطلق وزير الاقتصاد والتخطيط الدكتور محمد الجاسر تصريحاً غريباً، قال فيه: «إن الطبقة الوسطى لم تنكمش بل ارتفع طموحها، وهذا أمر مشروع». التصريح بالطبع نال استغراب وتقريع الاقتصاديين، ورجال الأعمال، وكتاب الأعمدة في الصحف. وللمثال، كتب رجل الأعمال، زميل الوزير القديم في الوظيفة سليمان المنديل، مقالة «الإحصاءات، يا معالي الوزير»، وقال بتهكم واضح: «حسبي الله على الطبقة الوسطى، التي بالغت في طموحاتها، وتجاوزت طموحات وزرائنا»، وختمها ب«أرجو من معاليه مراعاة مشاعرنا، فالمسؤول الأول عن الإحصاءات العامَّة يجب ألا يرسل التصريحات إلا مدعومة بالأرقام، وهو ما لم يحدث». الكاتب الاقتصادي سلطان المالك علق في زاويته «أفق» في صحيفة «الجزيرة» على تصريح الوزير، مؤكداً أن «مظاهر تآكل الطبقة الوسطى تبدو واضحة بجلاء حالياً، ومن أبرزها ارتفاع معدلات البطالة، وتفاقم ظاهرة الفقر، وانخفاض عوائد وأرباح المنشآت الصغيرة، وانخفاض مؤشرات الأسهم، والارتفاع الواضح في أسعار الإسكان والعقار، وتزايد ظاهرة استهلاك المنتجات ذات الجودة المتدنية، وارتفاع معدلات الأمراض، وزيادة عدد المعسرين والمديونيات على مستوى الأفراد». وبدوره أشار الكاتب إبراهيم نسيب في عموده بصحيفة «المدينة» إلى أن «وجود الطبقة الوسطى هو أقرب للفناء منه للبقاء، وأن القلة الباقية لا تزال تصارع لكي لا تهوي إلى الطبقة التي تليها وهي الطبقة الفقيرة الكادحة التي تكافح من أجل الرغيف ولتوفير بعض الأساسيات لا الكماليات». الوزير لم يورد في تصريحة أرقاماً تدعم مقولته المعاكسة لما يعرفه ويعتقده الجميع تقريباً من تناقص واضمحلال الطبقة الوسطى في السعودية. وغرابة التصريح أنه جاء بعد وقت قصير من تناول الصحافة الاقتصادية موضوع تلاشي الطبقة الوسطى، بعد دراسة لأستاذ الإدارة الاستراتيجية وتنمية الموارد البشرية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور عبدالوهاب القحطاني الذي أشار فيها إلى تضاؤل الطبقة الوسطى في السعودية إلى 30 في المئة فقط من إجمالي السكان، وكان الجميع ينتظر حلولاً من الحكومة لا تصريحات غريبة. الأسبوع قبل الماضي أيضاً جاء ما يثبت خطأ الوزير حينما نشر تقريراً لمؤسسة النقد السعودي (ساما) يناقض ما صرح به محافظها السابق، ووزير الاقتصاد والتخطيط حالياً جملة وتفصيلاً. ففي تقريرها الفصلي للربع الثاني من العام الحالي 2013 أوضحت «ساما» بلوغ حجم القروض الشخصية في السعودية خلال الربع المشار إليه 321 بليون ريال، بزيادة نسبتها 22 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2012. كما بلغت قروض الربع الأول من هذا العام 307 بلايين ريال، وزائدة - بحسب التقرير- عن الربع الأول من العام الماضي بنسبة بلغت 24 في المئة. وهذه الأرقام والنسب تضاعفت بشكل كبير مقارنة بما كانت عليه عند انهيار سوق الأسهم في عام 2006، إذ كانت تبلغ حوالى 180 بليون ريال فقط، بحسب الدكتور عبدالرحمن السلطان الذي بدوره حذر من تنامي القروض وتضاعف حجمها بقوله إن «هذا مؤشر خطير على نمو مبالغ فيه في مديونية الأفراد، وبخاصة أن هذه الأرقام لا تشمل مديونيتهم للمقرضين خارج النظام المصرفي وشركات التقسيط». وبالتأكيد لم يمر موضوع زيادة القروض مرور الكرام، فقد تناولته الصحافة الاقتصادية الأسبوع الماضي، ونشرت الرياض تحقيقاً عنوانه: «ارتفاع القروض الاستهلاكية إلى 321 بليون ريال يدق ناقوس الخطر بتزايد المتعثرين»، وقالت «الجزيرة» في تحقيق مماثل إن «تنامي القروض الاستهلاكية خطر يتفاقم وسط المجتمع»، ونشر غيرهما مما لا يتسع المجال لحصره. خلاصة الموضوع أن تنامي القروض وتضاعفها لا يدل على زيادة طموح الطبقة الوسطى، بحسب تصريح الوزير، وإنما يدل بوضوح على تزايد ديون هذه الطبقة، وصعوبة معيشتها، نتيجة عوامل كثيرة لا يحتاج إثباتها إلى جهد كبير، وبالتأكيد لا يمكن أن يقال إن الطموحات تتحقق بالديون. وأختم برسالة للدكتور الجاسر، وأقول ليت وزارتكم الموقرة تبذل جهداً في التعرف على مسببات زيادة ديون الطبقة المتوسطة، وتسعى إلى التخطيط للحفاظ على هذه الطبقة، لتنال حقها المشروع في الطموح والترقي. وما لم تفعلوا، فالطريق معروف: دين، فتعثر، فقائمة «سمة»، فالذهاب إلى أصحاب ملصقات الصرافات لإخراج المتعثر من القائمة بقرض أكبر وفائدة اعلى، والنتيجة المنطقية والحتمية لذلك هي زيادة أرقام التسلسل في مسيرات المعونات والمساعدات في وزارة الشؤون الاجتماعية. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية. ibnrubbiandr@