يسعى مهرجان «الدوخلة الشعبي» إلى جمع القديم والحديث من خلال أركانه المنوعة، وفيما يعتبره الشبان مكاناً ل«حوار الأجيال»، يُعدّه بعض كبار السن «مقراً للتصادم» و«النقد اللاذع»، إذ يصر الشبان على «تغيير الزمن بكل ما فيه»، بينما يلحُّ الكبار على أن «العادات من المسلمات وغير قابلة للتغيير أو الدمج». وبلغ عدد زوار «الدوخلة» في نسخته التاسعة الذي يقام برعاية إعلامية من «الحياة» 244700 زائر، توافدوا على مقر المهرجان على مدار 7 أيام، ويختتم المهرجان فعالياته الخميس المقبل. واستحوذ لبس الشبان وقصات شعرهم في المهرجان على النصيب الأكبر من النقد، إذ لم يكتفِ السبعيني أبو محمد بالنظر والصمت، بل كان يوجه حديثه إلى الشبان قائلاً لهم: «استرجلوا، فما ترتدونه لا يدل على رجولة». فيما كان الشبان ينظرون له بابتسامة قائلين: «طوفها يبي (مررها يا أبي)». فيما قال شبان: «تُوجه لنا كلمات جارحة من البعض، إلا إننا نقدّر فرق السن والزمن بيننا وعلينا تقبل نقدهم». وتبدو الفروقات جلية في القرية التراثية تحديداً، إذ يتولى كبار السن عملية شرح استخدام بعض الأدوات ومسمياتها القديمة، وتنتابهم الحسرة على «أدوات أصبحت لا تظهر إلا من خلال المهرجانات». ويعكف أبو إبراهيم الذي تخطى السبعين من عمره على العمل في صنع شباك الصيد، وهي المهنة التي انخرط فيها منذ كان في العاشرة، إذ كان بحاراً يحيك شباكه بنفسه. ويتحسر الرجل على ما آلت إليه مهنته، «فمنذ أعوام طويلة هجر البحارة شباك الصيد التي تصنع يدوياً، وباتوا يستخدمون المُصنع بالآلات، إلا إنني لا أتخيل نفسي أستعملها»، مؤكداً أن كل ما حاكه من الشباك يمثل «جزءاً من عمري، خصوصاً بعد أن توقفت عن نزول البحر للصيد، وتولى أولادي المهمة، وما يفرحني أنهم ما زالوا يستخدمون الشباك التي أصنعها». ويستغرق أبو إبراهيم شهراً ونصف الشهر لحياكة الشبكة الكبيرة. وأشار إلى أن يديه المرتعشتين «لم تفقدا قدرتهما ولم تضلا الطريق، وعلّمت أولادي ذلك، وبعضهم يساعدني في عملي». وعندما يجول ببصره في القرية التراثية في «الدوخلة»، بما تضمه من أعمال يدوية ينتابه «ألم كبير بأن ما يعرض الآن هو للعرض والزينة، وليس للاستخدام، ونراه في المعارض والمهرجانات فقط». وفي ركن آخر من «الدوخلة»، جلس الرسام الكاريكاتوري حسين آل إسماعيل، الذي يزاول الرسم منذ 5 أعوام وقال: «لا يزال البعض يجهل ماهية هذا الشق من الرسم»، مضيفاً أن «زوار المهرجان، صغاراً وكباراً، يحضرون إلى الركن، ويطلبون أن أرسمهم، وما إن يتسلم الأطفال رسوماتهم، حتى تعلو الابتسامة وجوههم، وبعض الكبار أيضاً، والبعض الآخر يثور ويغضب، ويتهمني بالتلاعب بصورته، والسخرية من ملامحه، وهذا النوع أخبره بطبيعة هذا الفن، وإن أراد رسماً كما هو عليه، فعليه أن يتوجه إلى رسام واقعي». ويرسم آل إسماعيل ما يربو على 25 رسماً كاريكاتوري لزوار «الدوخلة» الراغبين في ذلك.