قضينا برفقة العائلة ساعات جميلة ورائعة وممتعة, ونحن نتجول في أروقة مهرجان الدوخلة, ونتعرف على مختلف المناشط التي ضمها مهرجان الدوخلة لهذا العام.. والدوخلة لمن لا يعرفها, هي تقليد شعبي قديم, يقوم به أهالي الساحل الشرقي في المملكة ؛ حيث يقوم الأهالي بصنع أوعية من الخوص, ومع بداية شهر ذي الحجة, يقومون بزرع القمح أو الشعير في هذه الأوعية. ومع عيد الأضحى المبارك, يقوم الأهالي بالتوجه إلى البحر وهم حاملون أوعيتهم المزروعة, وهم يرددون أهازيج شعبية وأدعية دينية تطلب عودة الحجاج إلى أهلهم سالمين, غانمين. وتنتهي مراسم الاحتفال بإلقاء كل الأوعية في البحر.. وقد تعددت الروايات التاريخية , حول هذا التقليد الاجتماعي التاريخي. إلا أن الثابت أن هذا التقليد والتراث يضربان بجذورهما في أعماق تاريخ هذه المجتمعات, ويعبران عن ذاكرتهم التاريخية في التواصل مع أهلهم الذين ذهبوا إلى تأدية فريضة الحج. وحسنا فعلت لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية في مدينة سنابس, وهي المدينة الصغيرة المطلة على الخليج العربي. التي عملت على إحياء هذا التقليد التاريخي, وحولته إلى مهرجان تراثي -ثقافي -اجتماعي متكامل ... وقد أبان الإقبال الشعبي الكثيف أن أبناء المجتمع بمختلف شرائحهم, يتوقون إلى المهرجانات التي تجمع التراث والثقافة والترفيه.. ومهرجان الدوخلة اشترك ما يقارب الألف شخص في تنظيمه وبناء مناشطه, وآلاف الساعات من العمل الشاق والمضني من أجل تقديم مهرجان يليق بالمنطقة وزوارها.. إذ منذ اليوم الأول لانطلاق المهرجان وفد الآلاف من المواطنين والمقيمين للمشاركة في المهرجان, والتعرف على تراث المنطقة المتعدد والمتنوع .. وأود في هذا السياق تسجيل بعض الأفكار المتعلقة بهذا المهرجان الرائع والممتع.. بذل المئات من شباب وشابات مدينة سنابس, الكثير من الجهود, حتى يخرج مهرجانهم بالصورة اللائقة .. وعملت الأيادي السمراء مئات الساعات من أجل بناء القرية التراثية المتكاملة وغيرها من الأنشطة التي تضمنها مهرجان الدوخلة. ولكن مما يؤسف له أن هذه الأيدي التي بذلت كل طاقتها وجهدها عبر شهرين متتالين في بناء أروقة المهرجان, هي ذاتها الأيدي التي ستقوم بعد أيام في هدم كل ما بنته وعمرته في المهرجان. والسبب وببساطه شديدة لأن القائمين على المهرجان وهم جهة أهلية - تطوعية, لا يمتلكون الأرض التي يقيمون عليها المهرجان الذي يتوافد إليه الآلاف من أبناء المنطقة والمقيمين فيها.. وهذا بطبيعة الحال مما يؤسف له, ويتألم من أجله الإنسان ... إذ إن عملا متكاملا أنجزه المئات من أبناء الوطن, ويستفيد منه الآلاف, ويضيف معلما سياحيا رائعا للمنطقة, يتحول بعد أيام إلى ركام. لهذا فإننا ندعو جميع الجهات المسؤولة في المنطقة, إلى منح لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية المشرفة على مهرجان الدوخلة أرضا يستطيعون أن يقيموا أنشطتهم فيها بشكل ثابت. حتى يتحول هذا الجهد إلى إضافة نوعية, تعزز السياحة الوطنية, وتعرف الأجيال الطالعة بتراث آبائهم وأجدادهم.. ونتطلع إلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية للتدخل في هذا الأمر, ومنح هذا المهرجان أرضا, حتى يتمكن القائمون على المهرجان من إقامة مناشطهم بشكل ثابت ودائم.. وكلنا أمل أن يستجيب أمير المنطقة لهذا الطلب, لأن سموه هو باني النهضة العمرانية والسياحية في المنطقة. ولا ريب أن إقامة مبان كاملة لمهرجان الدوخلة على ساحل البحر, يكمل عقد الكورنيش البحري في المنطقة, الذي يمتد من مدينة الخبر إلى مدينة رأس تنورة مرورا بمدن الدمام وسيهات وعنك والقطيف ودارين وتاروت وسنابس والعوامية وصفوى.. فمهرجان الدوخلة هو إضافة نوعية إلى مهرجانات المنطقة المختلفة, ومشاركة أهلية- تطوعية في تطوير معالم السياحة الوطنية في المنطقة الشرقية.. ويستحق هذا المهرجان المتميز كل الدعم والإسناد من قبل كل الجهات الرسمية والأهلية في المنطقة الشرقية .. في أروقة المهرجان يتعرف المواطن وبالذات من الأجيال الطالعة على مجموعة كبيرة من المهن والحرف التي كان يتميز ويعمل بها أبناء المنطقة.. وكم كانت أسئلة الأطفال مدهشة ومتميزة وملحاحة في التعرف على هذه المهن والحرف اليدوية إذ إن الدخول إلى القرية التراثية المتكاملة, يفتح الباب واسعا للتعرف على هذه المهن والحرف التي كانت تزخر بها مدن وقرى المنطقة.. وهذا الإقبال المتميز على هذه القرية التراثية, يوضح بشكل لا لبس فيه أهمية العمل على بناء قرية تراثية متكاملة في المنطقة, تضم كل مهن وحرف المنطقة, وتعرف الأجيال الطالعة بتراث آبائهم وأجدادهم, وتضيف معلما سياحيا متميزا لمعالم السياحة في المنطقة الشرقية.. فتراث هذه المنطقة غني ومتميز ومتنوع, وهو أي تراث المنطقة يستحق من الجميع مؤسسات رسمية وأهلية ورجال أعمال الاهتمام والمبادرة في بناء قرية متكاملة لهذا التراث الذي تزخر به هذه المنطقة.. إن انخراط المئات من شباب وشابات مدينة سنابس في مشروع مهرجان الدوخلة, يوضح بشكل لا لبس فيه, أهمية العمل من مختلف الجهات لبذل كافة الجهود لتطوير مفهوم العمل التطوعي في مجتمعنا, والعمل أيضا على بناء مؤسسات وأطر اجتماعية وأهلية متنوعة, قادرة على استيعاب الكثير من طاقات المجتمع وشباب الوطن في مشروعات وأعمال تعود بالنفع على المجتمع كله.. فالموعظة الأخلاقية مع أهميتها, إلا أنها وحدها ليست كافية لإبعاد شباب الوطن عن مخاطر الإرهاب والمخدرات والانحرافات السلوكية المختلفة. وحدها المؤسسات والأعمال الاجتماعية والوطنية المختلفة, هي القادرة على استيعاب الشباب وإبعادهم عن مخاطر الانحرافات الفكرية والسلوكية المختلفة. فمهرجان الدوخلة استطاع أن يستوعب مئات الشباب القادرين على العطاء والخدمة, في مشروع تراثي - اجتماعي - ثقافي. ولكن هناك الآلاف من شباب الوطن الذين لا يجدون مؤسسة أو عملا أهليا قادرا على استيعاب طاقتهم, وقادرا على تفجير مواهبهم المختلفة. لذلك حينما تتعدد المناشط والأطر الأهلية, تتعدد قدرة المجتمع على خلق البدائل القادرة على استيعاب شباب الوطن في أعمال وأنشطة مفيدة للجميع. إن رجال الأعمال يتحملون مسؤولية مباشرة في تطوير الأعمال الأهلية ورعاية الأنشطة المدنية المختلفة.. إذ لا يمكن أن تتطور الأعمال الخيرية والأهلية والتطوعية في المجتمع, بدون اهتمام ودعم وإسناد رجال الأعمال لهذه الأعمال والمناشط. وتوضح تجربة مهرجان الدوخلة أن الإرادات الخيرة للكثير من شباب الوطن, بحاجة إلى دعم رجال الأعمال لها. لأنه بالتحام الإرادة الشبابية مع دعم رجال الأعمال, نستطيع أن نحقق الكثير من المكاسب والمنجزات. لذلك فإننا نهيب بجميع رجال الأعمال وفي جميع المناطق إلى ضرورة الاهتمام بالأعمال التطوعية, ودعم المناشط الأهلية المختلفة.. فلو قرر كل رجل أعمال أن يرعى ويسند نشاطا أهليا وتطوعيا في المجتمع, فإن هذا سيعزز من قوة المجتمع ويعمق من منعة الوطن. أما إذا بخل رجال الأعمال, وتراجع دعمهم للأنشطة الأهلية في المجتمع, فإن هذا يضيع على الجميع فرصا عديدة ومكاسب متنوعة, بإمكانها أن تضيف إلى حركة المجتمع والوطن الشيء الكثير. ولو نظرنا إلى دعم رجال الأعمال للمناشط والمؤسسات الأهلية والمدنية في المجتمعات الغربية, لرأينا أن أغلب رجال الأعمال والشركات تخصص جزءا من مدخولها لصالح دعم الأنشطة والأعمال الخيرية والأهلية والتطوعية في المجتمع. وحري برجال الأعمال في هذا الوطن المعطاء, أن يبادروا، كل من موقعه ، إلى دعم ورعاية بعض الأنشطة التطوعية في المجتمع, لأنه لا يمكن أن ننجز التطور ونقبض على أسباب التقدم بدون دعم وإسناد وتمويل رجال الأعمال للأنشطة الأهلية في المجتمع. وليتذكر الجميع: أن من نعم الله عليكم حوائج الناس إليكم.. أسوق كل هذه الأفكار من وحي حضوري في مهرجان الدوخلة وتمتعي في معرفة الإبداعات التي قام بها شباب الوطن في مدينة سنابس في محافظة القطيف .. فإلى كل القائمين على هذا المهرجان المتميز أقول لهم شكرا, فقد تمكنتم من خلال جهودكم وإبداعكم وعطائكم من رسم البسمة على وجوده أطفال الوطن, وعرّفتم الأجيال الطالعة ببعض التراث التي تكتنزه هذه الأرض الطيبة والمعطاء دوما وأبدا.