في النصف الثاني لشهر رمضان، طرأت تحولات على مشاهدة المسلسلات التلفزيونية. فبعض مما كان يجذب في البدايات خف بريقه تاركاً الذروة خلفه، وبعض آخر اكتسب متابعة مخلصة وفرض نفسه بقوة. إلى الآن، وهذا تنويه ضروري، يمكن الاستمتاع ب «بزمن العار» للمخرجة رشا شربتجي. يعيد هذا العمل الى المسلسل السوري الاجتماعي بريقه بعد أن طغت مؤخراً مواضيع الجريمة والعصابات على الأعمال السورية فأرهقتها. كما يعيد الى الممثل السوري فرادته ومتعة مشاهدته سواء في الأدوار الرئيسية (سلافة معمار، بسام كوسا، تيم حسن...) أم الثانوية (محمد خير الجراح)... يغوص العمل في حياة أسر من الطبقة المتوسطة، وفي العلاقات بين أفرادها التي يحكمها الخوف والكذب والطمع، خوف من الآخر ومن المستقبل، وطمع أفراد الأسرة الواحدة. المسلسل يعطي صوراً صادقة عن شخصيات مرسومة بدقة تبدو حقيقية ويخيل معها أن ثمة أشخاصاً كهؤلاء موجودون حقاً في الحياة بأسلوب تفكيرهم وسلوكهم، من الفتاة الضحية إلى الزوج العجوز الأناني مروراً بالموظف اللامبالي والمرتشي... تصبغ «زمن العار» نكهة مريرة ولاذعة ويسيطر عليه التشاؤم فالإنسان النبيل يظهر فيه ضعيفاً لا حول له ولا قوة أمام انهيار القيم العائلية والمجتمعية. وخلافاً للأعمال السورية التي لا تعتمد عادة على شخصية محورية واحدة تدور حولها الأحداث، بل على شخصيات متنوعة ومتفرقة عدة، يتمركز العديد من المسلسلات المصرية حول دور البطل أو البطلة. ويرسم السيناريو شخصية أساسية تستقطب الحدث، وتحضر بقية الشخصيات وتغيب بناء على علاقتها ومدى تعلق مصيرها بهذه الشخصية المحورية. في «خاص جداً» لغادة سليم بدا الدور وكأنه رسم خصيصاً ليسرا التي تجسد دور طبيبة نفسية، وعلى رغم المبالغة في رسم مثالية هذه الشخصية، و«المستفزة» في مثاليتها حيث أن الجميع ودون استثناء يحبها ويلجأ إليها (هل ستكرر يسرا نفس أدوار سميرة أحمد؟) وعلى رغم دور رجاء الجداوي التي تمثل دور مريضة بالزهايمر والتي تتوالى مشاهدها على نحو ممل ودون أن يشكل ذلك أدنى ضرورة أو إضافة، فإن العمل جاء ممتعاً بحكاياه المتنوعة وإخراجه وأداء الممثلين فيه ومنهم على وجه الخصوص يسرا وإياد نصار. كذلك الأمر مع «كلام نسوان» لعمر عبدالعزيز الذي اختار الحديث عن هموم الطبقة المرفهة ومحاولات المرأة المتعسرة إثبات الذات أمام ضغوط العائلة والمجتمع والتقاليد. تبرز في هذين العملين قواسم مشتركة، في أسلوب الإخراج وفي السيناريو فقد اعتُمد المشهد القصير والحوار المختصر وتم التركيز في أحيان كثيرة على ما يتيح للمشاهد فهم المشهد دون شرح وتطويل (حركة معبرة، موسيقى تصويرية...). وبدلاً من السير في سرد الأحداث على خط درامي مشوق يتصاعد حلقة بعد أخرى حتى الوصول إلى «الذروة» التي تميز الأعمال التلفزيونية، تم توظيف عناصر أخرى لإثارة التشويق كإدخال شخصيات جديدة على الخط العام للسرد تغنيه بالحدث. كذلك لم يعد الكادر العام محصوراً بالوجوه وبمكان فقير بقدراته بل انتقل نحو فضاءات أخرى خارجية أكثر غنى. واستخدمت الموسيقى التصويرية والتأثيرات الصوتية الأخرى (ضجيج المحيط مثلاً) كعامل يتكأ عليه لتعزيز تأثير الحدث وإضفاء الحيوية عليه، لكنها كانت في بعض الأحيان تطغى على الكلام جاعلة سماعه متعسراً. أما في الديكور فقد تنحى الأثاث الشديد الزخرفة والمذهّب في بيوت الأغنياء تاركاً المكان لأثاث أكثر عصرية وبساطة. وبعيداً من المدن وأجوائها يخرج «الرحايا، حجر القلوب» من إخراج حسني صالح وتمثيل نور الشريف وسوسن بدر، إلى الريف المصري وإلى الصعيد بقوانينه ورموزه التقليدية الحاكمة ذات النفوذ القوي لدى السكان. ويدهش هذا العمل بواقعية تناوله للمعتقدات الغيبية وحديثه عن العفاريت والجن وتقديمه لها على أنها جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية دون أن يكون له منها موقف مستنكر أو متحامل، وهو وإن لم يكن متفهماً لها لم يسخر منها كما يفعل معظم الأعمال التي تعرضت لها. ولكن على رغم بدايته القوية، فإن التشويق في «الرحايا» انتهى مع الحلقة العاشرة التي كانت بداية النهاية له فقد ضعف السيناريو وغاب الإيقاع وبدأ الدوران في حلقة فارغة وباتت القصص غير معقولة ومركبة. وهنا تبدو مشكلة الحلقات الثلاثين التي يتمسك بها الإنتاج التلفزيوني. أما أمجاد «باب الحارة» أمام المستعمر الفرنسي فتصلح في الجزء الرابع لمسلسل هزلي من الدرجة الثانية أو لتلك الأفلام المصنفة تحت عنوان «سيري ب».