يتبادل العراقيون ابتسامات ذات مغزى حين يتعلق الأمر بالأمن والكهرباء. يشعرون بأن قوى خفية يمكن أن تسمعهم عندما يقولون إن هذه الأيام مرت بسلام من دون أعمال قتل وتفجير، وإن الكهرباء الوطنية عادت تنير منازلهم بعد انقطاع دام عقداً كاملاً. تتحدث قوات الأمن عن نجاح خططها، بعدما أغلقت معظم شوارع المدن، ويتحدث مسؤولون حكوميون عن إنجاز عظيم، فقد توافرت الكهرباء 24 ساعة للمرة الأولى منذ عشر سنوات، وقد مثل غيابها في نظر السكان، على رغم صرف 27 بليون دولار خلال ستة أعوام فقط لتأمينها، انتهاكاً لحقوقهم الأساسية. وهم يشككون في جدية التصريحات الرسمية بعد أن اختبروا تبخر وعود الأمن والخدمات تباعاً. يقول حسن علوان، الذي اصطحب عائلته إلى متنزه قريب من منزله في بغداد: «مازلنا نتلفت يساراً ويميناً حين نسير في الشارع. ما زلنا نقول إن هذه المرة هي الأخيرة ، ومع هذا لا يمكن إلا أن أستجيب طلبات أطفالي الأساسية بالخروج في العيد». «حتى أنت يا كردستان»، هتف سعدون عيد بعدما عاد وعائلته من محافظة دهوك الكردية عندما حال حاجز للتفتيش دون دخولهم الإقليم، ويقول: «اعتدت أن أكافئ عائلتي كل عام باصطحابهم لقضاء أيام في إقليم كردستان، لكن هذه المرة عدنا لقضاء العيد لدى أقاربنا في بغداد بعد تفجيرات أربيل». في بغداد، عليك أن تمشي مسافات طويلة كي تصل إلى أقرب متنزه أو سوق، «هي رياضة» على ما قال عمر العاني، «المشي في الطرق المقطوعة أمام السيارات وتحمّل الإهانات عند نقاط التفتيش المزدحمة أهون بكثير من المفخخات». ثم يبتسم كأنه يعلن سراً: «لا تقل لأحد إن التفجيرات تراجعت، سيعتبرها الإرهابيون إهانة فيعودون لتحويل العيد إلى جحيم». السياسيون العراقيون غابوا في العيد، منهم من توجه إلى قضاء وقت مع عائلته في طهران أو عمان، ومنهم من قرر الاستجمام في جنوب شرقي آسيا، وآخرون قرروا أداء مناسك الحج للمرة الخامسة أوالسادسة، فالحكومة تمنحهم مقاعد شبه دائمة وسط الحجاج، وقد يدفع واحدهم رشوة كي يحصل على المقعد. «حقاً يحصل على مقعد مجاني للحج بدفع رشوة»؟ يتساءل أحد الناشطين على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» فتأتيه إجابات متهكمة: «السياسي العراقي يخوض سباقاً نحو المكاسب، منحة الحج هي بعض تلك المكاسب»، ويقول آخر: «ربما يحاولون التكفير عن ذنوبهم ولكن حجهم يشبه أن تسرق سجادة صلاة من جارك لتصلي». تبادل العراقيون تهاني العيد، أخرجوا أمنياتهم من صناديق الذاكرة طالبين «الأمن» و «الكرامة الإنسانية» و «العدالة» و «الخدمات»، أخرجوها لبعض الوقت كأنها أمنيات مقدسة غير قابلة للتحقق في حياتهم، وتبدو أحياناً كأنها دعوات يائسة لمستقبل أفضل للأبناء والأحفاد. هم يحاولون عدم الحديث عن أي فسحة كي لا تسرقها «القوى الخفية»!