الشركة التي تقف خلف البرنامج التلفزيوني البريطاني الجديد «المطبخ» (يعرض على القناة الثانية ل «بي بي سي»)، هي ذاتها التي أنتجت برنامج «غوغيلبوكس» (يُعرض منذ عامين على قناة «ch4 « البريطانية كما تُعرض نُسخ محلية منه في عدد من الدول الاوروبية). تحاول شركة الإنتاج تلك في برنامجها الجديد أن تبقي على العناصر ذاتها التي جعلت من برنامجها الآخر ظاهرة تلفزيونية أصيلة، ولكن بدل تصوير أناس عاديين في مساءاتهم وهم يشاهدون برامج التلفزيون ويعلّقون عليها، كما هي الحال في «غوغيلبوكس»، يُسَجّل «المطبخ» في حلقاته الست، يوميات مطابخ لثماني عائلات بريطانية بأعمار وخلفيات اجتماعية مُختلفة، وترافقهم وهم يُحَضّرون ويتناولون وجبات طعامهم اليومية. اختار البرنامج الجديد أسلوب الكاميرا المُتحركة عوضاً عن الكاميرا الثابتة ل «غوغيلبوكس». لكنّ الكاميرات المتحركة لن تترك مطابخ العائلات الثماني. هي بالكاد تتحرك الى غرف أُخرى في منازل العائلات المُشتركة، وأحياناً تراقب الحياة في الخارج عبر نوافذ المطابخ، ذلك ان التركيز الأكبر سيكون على ما يجري داخل تلك المطابخ، المركز، الذي سيتحلق من حوله أفراد العائلات في تقاليد حياتهم اليومية، وسيبين البرنامج مواقفهم من الطعام، وكيف يمكن أن يعكس هذا الأخير الطبقة الاجتماعية والمزاج النفسيّ والعلاقات الداخليّة بين العائلة. سعى «المطبخ» في اختياراته لعائلاته، الى مراعاة التنوع الاجتماعي في بريطانيا اليوم. فهناك عائلتان من الطبقة المتوسطة الغنيّة، وعائلة فقيرة من ويلز، إضافة الى زوجين مُسِنَّين في سنوات حياتهما الأخيرة، وعائلتين من خلفيات إثنية غير بريطانية، فيما غاب المسلمون عن البرنامج. وللعازببن من يمثلهم في البرنامج، ذلك ان أحد المطابخ لثلاثة شبان يتشاركون بيتاً واحداً في العاصمة البريطانية لندن. يُسجل البرنامج الحياة التي تنشأ حول فعل إعداد الطعام اليومي للعائلات التي اختارها، محاولاً التقاط كوميديا او مكاشفات مُعينة. وهناك لحظات مؤثرة وصادقة في البرنامج، بخاصة للزوجين المُسِنَّين، بعدما تحول «الطعام» لديهما الى الفعل المُبهج الوحيد الذي يقومان به. وفي أحد المشاهد، تكشف السيدة أن زوجها أصبح متعلقاً بها في شكل مرضيّ بعد الأزمة الصحية التي ألمت به أخيراً. ويأتي الدليل بسرعة من صرخات الزوج الذي لم يتحمل أن تبتعد زوجته كل هذا الوقت عنه للحديث وحدها إلى الكاميرا، فكان يصرخ بلهفة باسمها أثناء التصوير. وعلى خلاف برنامج «غوغيلبوكس»، لن يتميز «المطبخ» بكوميديته التلقائية، لاختلاف ظروف إنتاجه. كما إن كثيراً من وقته سيذهب في تسجيل مشاكسات الأطفال المدللين في البرنامج، وعجز آبائهم وأمهاتهم عن ضبطهم. فيما تميزت مشاهد المُسِنِّين بعاطفيتها وتأثيرها الجيد، كالعائلة الهندوسية التي مازال أبناؤها البالغين في بيت الاسرة، التي يتشارك الأب والأُم الطبخ فيها. هذه العائلة تعرضت الى هزة عنيفة قبل أعوام قليلة، عندما تبين إن الوالد الذي بالكاد وصل الى الستين من عمره، يعاني من مرض باركنسون. لكن هذا الهندي البريطاني الذي مازال يرتدي لباسه الديني التقليدي، لم يتخل عن فكاهته، فعلق بأنه لا يحتاج اليوم لأي جهد لخفق أطعمة أثناء تحضيرها، فحركة يده المستمرة بفعل المرض تقوم بذلك كل مرة. وعلى رغم اللحظات المؤثرة التي تتوزع على حلقات برنامج «المطبخ»، الا إن هذا الأخير لا يقول أشياء مُهمة او كاشفة عن المجتمع البريطاني اليوم، تتناسب اولاً مع وقت الحلقة الطويل نسبياً (60 دقيقة)، كما يبقى مُعلقاً بين محاولات تسجيل اليوميات، وتبيان موقف بريطانيين من الطعام الذي يتناولونه، وكوميديا اليوميّ من حياتهم، من دون أن يوفي أياً من ذلك حقه. كل هذا على عكس برنامج «غوغيلبوكس» بفكرته المُبتكرة، والذي انشغل بقضية واحدة، وهي علاقتنا بما يُعرض على الشاشات التلفزيونية، وردود فعل الناس على ما يشاهدونه، والتي جاءت في مُجملها كوميدية الى حد كبير، أو عاطفية الى درجة استدرار الدموع.