كلما اقتربت برامج الكاميرا الخفيّة من توديع الشاشات التلفزيونية للأبد، يَضِخّ تناول جديد ومبتكر لهذا النوع من البرامج، الدماء بالتركيبة التي استنزفت كثيراً على مدار عقود. فقبل ثلاثة أعوام، نجح برنامج «بينيدورم باستريت» من بلجيكا بأن يُعيد الكوميديا الصافية لهذه البرامج، بسخريته من الصور النمطية التي يحملها كثيرون تجاه المسنين، بعدما أعطاهم القدرة على «الانتقام البريء»، هم الذين كانوا يشكون دوماً أن الحياة المعاصرة أهملتهم وقدّست «الشباب» فقط، فإذ بهم في هذا البرنامج يحيكون المؤامرات، وضحاياهم من الشباب. البرنامج حقق نجاحاً كبيراً، وأنتجت منه 8 نسخ دولية، منها أميركية، قدمتها الممثلة التي تخطت التسعين من العمر بيتي وايت، ما دفع للاعتقاد أن برامج الكاميرا الخفية لن تعرف منافساً لهذا البرنامج الى أن أبصر النور برنامج «الثورة ستُنقل تلفزيونياً» الذي يُعرض موسمه الثاني عبر قناة «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) الثالثة. واللافت أن هذا العمل محاولة جديدة للإستفادة من أسلوب برامج الكاميرا الخفيّة في تقديم رسالة ما، إذ يعتمد على النقد السياسي اللاذع، الذي يسخر بشدة من النفاق السياسي والاجتماعي الذي نعيشه، وتتناول حلقاته قضايا آنية تهم المجتمع البريطاني، وأحياناً تخرج خارج الجزيرة البريطانية، لتركز على مشكلات من العالم. وخلافاً لمعظم برامج الكاميرا الخفيّة، يُقدم البرنامج البريطاني مقدمان، كانا وقت عرض الموسم الأول مجهولين للجمهور. اما مهمتهما فتنفيذ المكائد، بانتحال شخصية مقدمين تلفزيونيين لبرامج مُتخيّلة سعياً للحصول على تصريحات او ردود فعل معينة. كما تسجل الكاميرا الخفيّة تفاعل سياسيين وغيرهم، مع المواقف التي يخلقها هذان المقدمان، والتي تُركز في معظمها على ملاحقة الأحداث الساخنة في البلد. فمثلاً تهرّب شركات عملاقة من الضرائب في بريطانيا سيحظى بإهتمام كبير في البرنامج، وسيسخر البرنامج بقسوة من هذه الشركات، عبر وضع لافتات كوميدية على مكاتبها الرئيسية، تفضح جشعها، ثم مراقبة ردود فعل العاملين فيها. ومن الشخصيات التي تظهر في كل حلقة، مراسل تلفزيوني يمينيّ التوجه، لا يخفي اشمئزازه من الاتجاه الليبرالي في البلد من خلال مواكبته نشاطات وتظاهرات حقيقية، ثم طرحه أسئلة مستفزة جداً، تسخر في جوهرها من الاتجاه المحافظ في بريطانيا. وفي إحدى الفقرات الثابتة في كل حلقة، ينتحل المقدمان شخصيتي ممثلين لحزبي المحافظين والديمقراطيين الليبراليين، اللذين يتشاركان الحكومة البريطانية، وهما يقومان بجولات تفقدية في شوارع بريطانية، لاستطلاع شعبية التحالف الحكومي. وبديهي ألا تملك كل الشخصيات المقدار ذاته من النجاح او الكوميديا، فالموسم الثاني قدم شخصيات جديدة بدت غريبة عن السياق العام للبرنامج، والذي يُركز بمعظمه على الأحداث المحلية البريطانية وأحياناً العالمية. فشخصية المراسل التلفزيوني المثليّ الذي يغطي مهرجانات السينما العالمية بدت نمطية ومكررة، والأسئلة المُحرجة التي يسألها للنجوم في المؤتمرات الصحافية لم تصل الى هدفها، فمثلاً، ماذا ينشد البرنامج من إحراج نجم مثل جورج كلوني (كما فعل في الحلقة الأخيرة)، المعروف بالتزامه الكبير تجاه قضايا إنسانية عالمية، وأدواره السينمائية المشهودة؟ من الصعب تحليل نجاح برنامج «الثورة ستنقل تلفزيونياً»، وإن بدا انه يعود الى موضوعه الجديد وجرأته في السخرية من المؤسسات السياسية الموجودة والنفاق القائم وهيمنة سلطة المال، او شعبيته في تسجيله التلقائي والصادق لردود فعل من الشارع. في كل الأحوال، سيصل البرنامج قريباً الى نهاية طريقه، فبسبب نجاحه الجماهيري، تحول مقدماه اللذان كانا مجهولين للمشاهد، الى وجهين معروفين، وأصبح من الصعب خداع الناس في الشارع وإيقاعهم في الشرك.