تجلس السيدة الصومالية بلباسها التقليدي في مكتب عمل مدينة بريطانية صغيرة يقابلها موظف بريطاني شاب. لا وسيلة للتواصل بين الإثنين. فالسيدة لا تعرف من الإنكليزية كلمة واحدة، لكن المزحة لن تكون على حساب تلك الصومالية السمراء، هي عن الموظف الذي يحاول أن يتعامل مع نظام هاتف مكتب الترجمة الآلي وعن فشله في إيجاد اللغة المناسبة، مع ان الجهاز يقوم بتعداد كل اللغات المتوفراة في بريطانيا موزعة على حسب السكان الأجانب في هذا البلد، وما أكثرها. يُعَّد مسلسل «أهل العمل» والذي يعرض على قناة «الأي تي في» التجارية البريطانية رد فعل كوميدياً قوياً على الأزمة الاقتصادية العالمية والتي تجاوز عمرها الخمس سنوات الآن. هو يدور في مكتب عمل بريطاني حكومي، من المكاتب العديدة التي يؤمها كل يوم ملايين البريطانيين للبحث عن عمل، والتي تحدد أيضاً إذا كان هؤلاء يستحقون الإعانة الاجتماعية التي تدفعها الدولة للعاطلين من العمل. هذه المكاتب تحولت الى أمكنة جامعة للعديد من مشاكل بريطانيا، وبالتاي فإن المسلسل الكوميدي يجد في غرفة انتظار أحدها العناصر الكافية لكوميديا أصيلة مبتكرة. مساحة للتفاعل اليومي تقدم كل حلقة من حلقات المسلسل شخصيات جديدة من العاطلين والباحثين عن عمل، كما تعاود بعض الشخصيات الحضور على طوال حلقات المسلسل، إضافة الى هؤلاء هناك موظفو مكتب العمل، وتفاصيل حياتهم ومشاكلهم العادية، من البحث عن الحب والسعادة، في حين يحتل التفاعل اليومي بين الموظفين والباحثين عن العمل مساحة مهمة من كل حلقة من حلقات المسلسل البريطاني، والذي لجودته، قامت المحطة الدولية لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بشرائه لعرضه على شاشتها. وعلى غرار كثير من المسلسلات الكوميدية البريطانية من العقد الأخير، يسير مسلسل «أهل العمل» على خط رفيع بين التراجيديا والكوميديا، سوداوية الكوميديا هنا تأتي من القصص المعبرة للباحثين عن عمل، كالرجل من الأصول الهندية الذي فقد عمله، واصطدامه بالروتين الحكومي المتطلب، او موظف البنك السابق، والذي يجبره مكتب العمل على القبول بوظيفة ساقٍ في حانة. كما تشكل قصص موظفي مكتب العمل، مادة المسلسل الكوميدية والعاطفية على حد سواء، كمديرة المكتب، التي تجاوزت عمر الشباب وتعيش الوحدة العاطفية، التي لا تستطيع كسرها لخجلها الكبير. وحتى شخصية احدى العاملات، والتي تقدم كامرأة محافظة يقترب سلوكها أحياناً من العنصرية، لا تخلو من الجوانب الإنسانية، فهي ومثل مديرتها تعيش الوحدة، ومكتب العمل هو المكان الذي تفرغ فيه غضبها وخيبتها من الحياة. لا يتورط المسلسل الكوميدي بإطلاق أية احكام، رغم ان غرفة الانتظار فيه تحوي بشراً من كل الطبقات، ومنهم العديد من غير البريطانيين، وهو ما يعكس واقعاً صعباً تؤكده الإحصاءات والبحوث. كما إن المسلسل يعرف حدود المزحات التي يطلقها، ولا يخرج أبداً عن حدود الكياسة الاجتماعية البريطانية، هو يقدم الأزمة الاقتصادية كمشكلة حلّت على البلد وناسه، ويتغاضى كثيراً عن الأفعال البشرية التي تحاول أن تستغل النظام الاجتماعي بالاحتيال عليه وتضليله، فالكوميديا بطبيعتها لا تحتمل الإشارات السياسية والاجتماعية الواضحة.