لا تخلو صحف بريطانيا يومياً من خبر عن «اشتباك» بين شبان مراهقين يؤلفون عصابات متنافسة تحاول فرض «سيطرتها» على حي شعبي تباع فيه المخدرات. وبما أن الإتجار بالمخدرات يُعتبر عادة مصدراً مهماً للدخل، فإن أفراد العصابات غالباً ما يكونون مستعدين لارتكاب جرائم في حق من يعتبرونهم عائقاً يقف في طريقهم. وهذا من شأنه أن يتيح للشبان حرية الحصول على ما يشاؤون من مشروبات كحولية وإقامة حفلات صاخبة ترتادها فتيات مراهقات من أعمارهم أيضاً. وهكذا يمكن، في شكل شبه يومي، قراءة خبر عن مشاجرة بين أفراد عصابات متنافسة تؤدي إلى مقتل شاب أو إصابته بطعنة خنجر أو حتى بالرصاص. وغالباً ما يتبيّن أن كثيرين من أفراد هذه العصابات ينتمون في الواقع إلى عائلات تقطن مناطق شعبية هي عبارة عن أبنية مرتفعة تضم شققاً صغيرة توفرها الدولة للعائلات التي تعيش على نفقة الإعانات الاجتماعية. وبما أن هذا هو الواقع، فإن مرتكبي الجرائم وضحاياهم غالباً ما يكونون أيضاً من فقراء المجتمع، سواء من أسر البيض أم السود المعدمين الذين يعيشون على هامش المجتمع، أو من عائلات مهاجرة تضم طالبي اللجوء السياسي أو الباحثين عن مستقبل أفضل في بريطانيا، لكنهم يجدون أنفسهم في بلدهم الجديد في وضع قد يكون أسوأ بمرات من ذلك الذي فرّوا منه. وثمة مبادرات عدة ترعاها الحكومة والقطاع الخاص لمساعدة أفراد العصابات للخروج من عالم الإجرام الذي يجدون أنفسهم عالقين فيه. واحدة من هذه المبادرات من القطاع الخاص تبنتها صحيفة «إيفنينغ ستاندرد» اللندنية التي اعتبرت أن من المعيب أن تكون العاصمة البريطانية هي «أغنى العواصم في أوروبا، لكن نصف أطفالها تقريباً يعيشون تحت مستوى الفقر». أطلقت الصحيفة حملة «صندوق المحرومين»، وراحت تجمع تبرعات بالتعاون مع جمعيات أخرى حتى وصل حجم التبرعات إلى 10.4 مليون جنيه استرليني تُوزع بطرق مختلفة على الأطفال الفقراء وأسرهم وعلى الشبان لمساعدتهم في الخروج من عالم الجريمة. فراس، واحد من هؤلاء الشبان الذين ساعدهم «صندوق المحرومين» للخروج من ماضيه بعدما عاش سنوات طويلة كفرد من عصابات لندن المتنافسة. توفيت أمه أثناء ولادته، فبقي مع والده اللبناني الذي يصفه فراس بأنه كان قاسياً في معاملته له ولأخته الأكبر منه سناً بسبع سنوات. عاشوا في إقامة شعبية تابعة للدولة في دائرة وستمنستر في قلب لندن. لا يذكر ماذا كان والده يعمل، لكنه يقول إنه كان دائماً يقود سيارة «مرسيدس» جديدة. لكن فراس كان دائم الخوف من والده، ويذكر أن الأخير كان يهدده وأخته بتسليمهما إلى أجهزة الرعاية الاجتماعية إذا أثارا غضبه. في أي حال، حزم الوالد أغراضه عندما كان فراس في العاشرة من عمره. سافر لرؤية أولاد آخرين له يعيشون في بلد آخر. طالت غيبته، فبدأ فراس ينجر إلى عالم الجريمة. في الحادية عشرة، كان فراس بدلاً من الالتحاق بالمدرسة يذهب إلى منزل رفيقه لتدخين الحشيشة، قبل الانتقال إلى المتاجر القريبة ليسرقا منها. وفي الثانية عشرة من عمره، رأى فراس أول جثة أمام عينيه: شخص ميت في مصعد بنايته الشعبية. في سن الثالثة عشرة، اعتقلته الشرطة بتهمة سرقة طفل آخر في مركز تجاري. طردته مدرسته في شكل دائم بسبب ضربه أستاذه وتحطيم غرفة المدير. في الرابعة عشرة من عمره، أُدخل الى دار الرعاية الاجتماعية، لكنه كان قد انحرف إلى عالم الجريمة. كان متخصصاً في سرقة المجوهرات «من الأغنياء»، كما يقول. قاده ذلك إلى السجن خمس مرات، بين سن الخامسة عشرة والحادية والعشرين: السرقة والنشل وحيازة المخدرات بهدف التوزيع. قبل ثماني سنوات، وكان فراس ما زال في السابعة عشرة من عمره، صوّب تاجر مخدرات مسدسه صوب رأسه وأطلق رصاصة. من حسن حظه، أخطأت الرصاصة رأس فراس، لكنها اخترقت جسده واستقرت في أسفل كاحله حيث لا تزال إلى اليوم. أمضى فراس في السجون سنتين ونصف السنة. هناك وقفت إلى جانبه جمعية تُعنى بالشبان الذين ينحرفون إلى عالم الجريمة. حاولت جمعية «كيدز كومباني» التي أسستها الناشطة المعروفة كاميلا باتمانغيليدج قبل سنوات (عام 1996)، أن تمد يد العون له، فقدمت فيه شهادة حسن سلوك لمساعدته في الخروج من السجن. كما وفّرت له الجمعية فرصة الحصول على تعليم، لكنه شعر بانجذاب دائم إلى «عائلة الشارع» التي ينتمي إليها، وتضم حوالى 50 شخصاً من أصحابه (تتراوح أعمارهم بين 16 و28 سنة) الذين ينتمون إلى إثنيات متعددة ويقيمون في أبنية شعبية مختلفة. يوضح فراس ل «إيفنينغ ستاندرد» أنهم جميعاً كانوا يشعرون بأنهم ينتمون إلى «السفينة ذاتها»: سفينة الفقر. لكن شيئاً جديداً طرأ على حياته: حملت صديقته منه وأنجبت له طفلاً. أوجد ذلك نوعاً من المسؤولية لديه بأنه لم يعد وحده، وبأن عليه أن يتغيّر نحو الأفضل. خضع فراس العام الماضي لحملة إعادة تأهيل ترعاها جميعة «كيدز كومباني» التي فرضت عليه إجراءات صارمة لضمان عدم تعاطيه المخدرات مجدداً (يخضع لفحوص طبية للتأكد من ذلك) وعدم معاشرته رفاقه السابقين من عالم العصابات والالتحاق بدروس تعليمية. وخلال السنة الماضية جرى التأكد من أن فراس قد قطع كلياً مع ماضيه. أسس شركة خاصة – «ذي فاب آرتس كومباني» - توفر دروساً في الدراما بهدف إظهار مدى بشاعة حياة الجريمة في نظر أطفال المدارس الذين يمكن أن ينجرّوا مثله إلى عالم العصابات. وهذه الشركة هي الثالثة من نوعها التي تدعمها «إيفنينغ ستاندرد» بالتعاون مع جمعية «كيدز كومباني».