كلما اقترب الحج وهاجت بلابل الأشواق إلى بيت الله الحرام، تراودني بعض الخواطر عن أولئك الحجاج الذين يجري لهم من المسائل النازلة وغير النازلة ما يحتاجون بسببه إلى السؤال، وما يعرض لهم من فتاوى مختلفة ومتباينة في هذا المضمار، حتى إن من يستطيع المبيت في منى قد يقول له قائل: لا فرق بين أن تبيت هنا أو أن تبيت في مزدلفة في ليالي التشريق ما دام مخيمك في مزدلفة. أو حتى يفتون له بأن يبيت في العزيزية، أو في أي حيّ من أحياء مكّة؛ إسقاطاً للمبيت عنه بصورة كاملة، ولا يخرج عن ذلك حتى ليلة ال13 التي تكاد فيها منى تكون خالية من الحجاج لأن أكثرهم متعجلون. وكذلك الشأن في الفتاوى في النفير من منى للمتعجلين، وإباحة الرمي لهم قبل الزوال خشية الزحام، حتى بعد التوسعة الكبرى التي جرت الآن للجمرات، والقطارات التي شيّدت لتسهيل كل ذلك. ومن هنا فإن الحاج هنا وإن لم يكن فقيهاً ولا متفقهاً فإنه بحاجة إلى أن يتحصل على شيء من ثقافة الحاج، وثقافة المحافظة على شعيرة الإسلام، خصوصاً أن كثيراً من الحجاج يؤدون فرضهم هذا العام، فلا يكفي أن يعلم أحدهم في هذا الزمان الذي تطايرت فيه الفتاوى وتباينت وتنافرت أن يعلم أن الحج فرض وأنه يجب عليه أن يسأل عما لا يعلم من ينتسب إلى العلم. وتحضرني هنا خاطرة يجدر الوقوف عليها، في التنبيه على بعض ما يفتي به بعض علماء الحنابلة في السعودية في شأن مسائل الحج مما ينقلونه عن المذاهب الأخرى ويصوبونه، ثم يرجحونه على مذهبهم، ويحاولون طرد أقيسة تلك المذاهب على ما يستجد من مسائل معاصرة، وهذا مما قد لا يتمكن منه المتبحر في ذلك المذهب فضلاً عن المتبحر الحنبلي فقط. قال الشاطبي المالكي: «أما نقل مذاهب فقهاء الأمصار سوى مذهب مالك والفتوى بها بالنسبة إلينا فهو أشد، لأنها مذاهب يذكر لنا منها أطراف في مسائل الخلاف، لم نتفقه فيها، ولا رأينا من تفقه فيها، ولا من عرف أصولها، ولا دل على معانيها، ولا حصّل قواعدها التي تنبني عليها، فنحن والعوام فيها سواء، فكما أنه لا يحل للعامي الذي لم يقرأ كتاباً ولا سمع فقهاً أن يأخذ كتب الفقه فيقر بها لنفسه، ويفتي بما حصل منها على علمه، كذلك من لم يتفقه في مذهب غير مالك وإن كان إماماً في مذهب مالك». انتهى من فتاوى الإمام الشاطبي. في النقل السابق نبه الشاطبي رحمه الله إلى أصل عظيم، وهو معرفة أصول المذاهب ومقتضياتها ولوازمها وطرد أقيستها، فالمتبحر الحنبلي مثلاً لا يمكنه معرفة هذه الأمور من مذهب الحنفية أو المالكية أو الشافعية والعكس كذلك. ولعلي أشفع هذه المشاركة بقصة أخبرني أحد طلبة العلم بها: قال: تكلمت مرة مع أحد كبار مشايخنا من هيئة كبار العلماء حين أفتى بجواز الرمي والنّفْر قبل الزوال، وكان يظن أن هذا هو مقتضى قول الحنفية، فنقلت له أن الجائز هو الرمي عندهم، وأنه أيضاً خلاف الصحيح عندهم، وأنهم لا يجوزون النفر إلا بعد الزوال، وأنه لم يقل به إلا طاووس! فتفاجأ وتردّد بعد ذلك في الفتوى بها وأحجم! انتهى. قلت: هذا مثال على أهمية التنبيه على عدم أخذ اختيار من لم يتفقه في مذهب من المذاهب حين يختار منه قولاً للمستفتي، فيضيّع المستفتي ويضيع نفسه. [email protected] abdulwahed1978@