تحوّلت شبكات التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة إلى ظاهرة حقيقية في المجتمع السعودي، فخلقت حركة جديدة في العمل الخيري والتطوعي. ففي «تويتر» مثلاً تكثر الحسابات الخيرية التي يهتم أصحابها بمزاولة الخير ونشره، ومن بينها حساب تغريدات المتوفين الذي يعتبر نادراً لفكرته ولما يتضمنه، إذ ضمّ الحساب عدداً كبيراً من أسماء الأشخاص المتوفين، وهو يهدف إلى إعادة تغريد أجمل ما كتبوه في حياتهم، ونالت فكرته استحسان المغردين، ووصفوها بالعمل الإنساني، معتبرين ذلك من الصدقة الجارية عن أولئك الأموات. وعلّق أحدهم قائلاً: «لا نزال نراهم ونشعر بوجودهم عبر تغريداتهم التي يتم تداولها والاستشهاد بها، فهم سطروا تلك الحروف والكلمات لتبقى ذكرى خالدة لهم وكأنها تطلب منا عدم نسيانهم، والدعاء دوماً لهم»، وطالب أحدهم ممن يعرفه بإرسال حسابه إلى ذلك الحساب قائلاً: «أرسلوا للفلورز: أهلي، أصدقائي، ومن عرفني شخصياً: حينما يصلكم خبر موتي، لأنام الآن مطمئناً». ويقول المشرف على حساب تغريدات المتوفين رائد العنزي في حديثه إلى «الحياة»: «بدأت مشواري الخيري في «تويتر» قبل عامين ونصف العام عندما شاهدت تغريدة مؤثرة لمتوفاة وكان لديها نحو 500 متابع، وبعد أن تفاعل مغردون مع تلك التغريدة ازداد متابعوها في فترة وجيزة إلى ما يزيد على 4 آلاف متابع، وعندها طرأت في بالي فكرة إنشاء حساب يختص بإضافة المتوفين لغرض بث تغريداتهم الدينية على مدار الساعة». ويعمل العنزي بمجهوده الفردي في بث تغريدات المتوفين مستعيناً في بعض الأحيان بمتخصصين لإزالة بعض الصور المحرمة من حسابات المتوفين، كما يشرف على حساب آخر (وقف الراحلين) ويهتم من خلاله بنشر الحسابات التي أنشأها مغردون لتكون صدقة جارية لذويهم ممن توفوا. معتبراً أن مواقع التواصل الاجتماعي «فرصة ذهبية يمكن استغلالها لمن يريد الخير بأيسر الإمكانات». كما أنشأت مجموعة من الفتيات حساباً خاصاً في «تويتر» باسم «متعة العطاء»، وعرفن بأنفسهن: «نحن فتيات تعاهدنا على تسخير كل طاقتنا لخدمة مجتمعنا ونشر ثقافة العمل التطوعي». ويرتكز عملهن على شراء هدايا في الأعياد والمناسبات الخاصة وتوزيعها على المحتاجين. من جهته، يرى المشرف على صفحة «متطوعون» في «فيسبوك» عبدالسلام محمد، أن «العمل التطوعي أخذ مساراً متطوراً يحاكي لغة الشباب واهتماماتهم، إذ لا يجمعهم سوى هدف واحد، وهو العمل الخيري التطوعي، الذي بدأ في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» في العديد من الدردشات والنقاشات بين الأعضاء، حتى أصبح دوره ملموساً في الواقع». ويضيف أن مجموعتهم «يقتصر دورها على التماس حاجات الناس ونشرها من خلال فيسبوك وإيصالها للمحسنين ليتمكنوا من المساعدة». وفي موقع «آنستغرام» أنشأ «شباب الخير» حساباً يجمعون فيه صوراً لبعض الحالات الإنسانية التي تستوقفهم، ويعلنون موعداً لاستقبال من يرغب في المشاركة. ومع تنامي إقبال السعوديين على الإنترنت، وزيادة ارتباطهم بالشبكات الاجتماعية، خصوصاً مع انتشار الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، توجهت المؤسسات الخيرية لعمل حسابات على تلك المواقع، غير أنها لم تدر بطريقة احترافية تضمن تدفق وزيادة المتابعين، ما جعل الحسابات الخيرية الخاصة أكثر تفاعلاً في «تويتر» من حسابات بعض المؤسسات الخيرية. وعلق أستاذ الخدمة الاجتماعية الدكتور منصور العسكر في حديث إلى «الحياة» قائلاً: «انتشار العمل الخيري في مواقع التواصل ظاهرة صحية ومؤشر إيجابي ينم عن استقرار المجتمع وحبه للخير، وأسهم إلى حد كبير في الترويج لحب العمل التطوعي». وأضاف: «كما حرك الشباب ليكونوا إيجابيين في مجتمعاتهم ومتعاونين، وهو انعكاس لحيوية المجتمع»، مشيراً إلى أن الشباب «وفّقوا في استغلال طاقاتهم ونشاطهم للعمل الخيري في مواقع التواصل الاجتماعي».