تواجه حكومة تصريف الأعمال اللبنانية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، استحقاقاً لا مفر منه يتعلق بتسديد حصة لبنان في المحكمة الدولية في ضوء إشعارها الحكومة بضرورة تسديدها، إضافة إلى إصرار وزير الطاقة جبران باسيل على دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد لإقرار المرسومين التنظيميين الخاصين بتلزيم التنقيب عن النفط والغاز وسائر المشتقات النفطية في المنطقة الاقتصادية البحرية في المياه اللبنانية. وتؤكد مصادر وزارية أن ميقاتي بادر منذ فترة ليست بقصيرة إلى إحالة الكتاب الذي تلقاه من المحكمة الدولية إلى وزيري المال محمد الصفدي والعدل شكيب قرطباوي للوقوف على رأيهما في هذا الشأن. وتستغرب المصادر نفسها لجوء الصفدي إلى الكشف عن مضمون الكتاب ومطالبته رئيس الحكومة باتخاذ القرار المناسب، على رغم أن أسابيع مضت على تسلمه هذا الكتاب من رئاسة مجلس الوزراء. وتسأل عن الأسباب الكامنة وراء استخدامه في السجال الذي انفجر أخيراً بينه وبين وزير الدولة لشؤون المجلس النيابي نقولا فتوش على خلفية تخلف شقيق الأخير عن تسديد الضرائب المتوجبة عليه نتيجة بيعه عقاراً لشركة «صنين زينة لبنان»، بذريعة أنها تعد لمشروع إنمائي وعمراني يمكن أن يوفر مئات فرص العمل للبنانيين. ومع أن هذا المشروع تبخر فجأة من الوجود، على رغم أن رئيس الجمهورية السابق إميل لحود كان استخدمه كورقة سياسية في حربه على رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري واتهمه بأنه يقف وراء إعاقة تنفيذه، قبل أن يلوذ من دعم حملته بالصمت في ضوء اكتشاف «المستور» من وراء بيع عقارات في البقاع والجبل للشركة المذكورة. وتعتقد المصادر نفسها أن الصفدي اختار التوقيت المناسب من وجهة نظره ليكشف عن مضمون رسالته إلى ميقاتي. وتقول إنه يريد المزايدة عليه في ضوء الفتور الذي يسود علاقتهما. وإذ تستبعد هذه المصادر إمكان تسديد حصة لبنان من المحكمة من خلال جمعية المصارف في لبنان كما حصل في السابق، تؤكد في المقابل، أن هناك حاجة ماسة لدعوة حكومة تصريف الأعمال إلى عقد جلسة استثنائية للنظر في كيفية توفير المال المطلوب لتسديد المساهمة اللبنانية في المحكمة. وتعزو سبب دعوة المجلس إلى الانعقاد إلى أن تمويل المحكمة يعتبر من الأمور الطارئة والضرورية وأن تلكؤ لبنان في تسديد حصته سيؤدي إلى إقحامه في اشتباك سياسي مع المجتمع الدولي، تحديداً مع الأممالمتحدة التي كانت وراء قيامها لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الحريري ورفاقه، إضافة إلى أن تخلفه سيهدد صدقيته أمام الرأيين العام اللبناني والعالمي. وتضيف المصادر أن لبنان لا يستطيع أن يتحمل التبعات السياسية الداخلية والخارجية المترتبة على عدم تسديد حصته، وأن لا مخرج إلا بدعوة مجلس الوزراء إلى جلسة استثنائية، لكنها في الوقت نفسه تتجنب الإجابة عن الموقف في المجلس في حال أصر «حزب الله» وبعض حلفائه على رفضهم تمويل المحكمة من خزينة الدولة، خصوصاً أنهم كانوا اعترضوا في السابق على تمويلها، ودعوا من يريد أن يمولها إلى أن يدفع من كيسه الخاص. وتعترف بأن «حزب الله» وبعض حلفائه لم يتخذوا من تمويل المحكمة في السابق، خلافاً لموقفهم، ذريعة للدخول في صدام مع رئيس الحكومة. وتؤكد أنهم آثروا الصمت وعدم التعليق لأنهم أرادوا توفير الحماية للحكومة بعد المخاض الذي مرت به عملية التأليف وذلك خوفاً من رد فعل رئيسها، لا سيما أنهم في حاجة إليه إثر تهديده بالاستقالة، بعد أن أطاحوا حكومة الرئيس سعد الحريري وحالوا دون عودته إلى رئاسة الحكومة مستفيدين من تبدل موقف رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط آنذاك. وأوضحت المصادر أن تمويل المحكمة يجب أن يتم عبر القنوات الآتية: الموافقة على سلفة خزينة على أن تغطى من مشروع الموازنة العامة للعام المقبل بعد تعذر إقرار الموازنة لهذا العام أو تأمين تسديده من الاحتياط، أو لاحقاً بإعداد مشروع قانون يحال على المجلس النيابي للحصول على موافقته على فتح اعتماد في هذا الخصوص. وفي المقابل هناك من يعتقد أن الحكومة، وهي تقوم بتصريف الأعمال، لا تستطيع عقد جلسة لمجلس الوزراء تخصص للموافقة على بند يتعلق ب «الإنفاق»، على رغم أن هناك حاجة ضرورية لتسديد حصة لبنان من المحكمة. إلا أن مصادر وزارية أخرى يمكن أن تربط البحث في تمويل المحكمة بإقرار المرسومين التنظيميين للبدء بتلزيم التنقيب عن النفط، بالتالي تشترط إدراجهما بندَين ضروريين على جدول أعمال مجلس الوزراء... وفي هذا السياق، تقول المصادر إن إمكان انعقاد الجلسة متروك للمشاورات بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان وميقاتي، وتعتقد أن موافقة جنبلاط على عقدها بعد أن سحب تحفظه، إضافة إلى إصرار رئيس المجلس النيابي نبيه بري على عقدها، لا يعني أن الطريق باتت معبدة أمام انعقادها لإقرار هذين المرسومين. وتعزو السبب إلى أن عدم اعتراض المكونات الرئيسة المشاركة في الحكومة على عقدها لا يخفي استمرار الاختلاف حول الأمور التنظيمية من جهة، والاستنسابية من جهة ثانية بسبب إصرار باسيل على أن تتم عملية تلزيم التنقيب بالتقسيط وعلى مراحل وهو يستثني في مرحلتها الأولى على الأقل المربعات (المكعبات) في المنطقة الاقتصادية اللبنانية المتاخمة للمنطقة الإسرائيلية. وتسأل المصادر، كيف يوفق باسيل بين تحذيره باستمرار من احتمال قيام إسرائيل بوضع يدها على ثروة لبنان النفطية، وضرورة الإسراع في عملية التنقيب، وبين عدم شمول المرحلة الأولى لهذه المنطقة. وتقول إن بري يشترط أن يتم التلزيم دفعة واحدة ويشمل جميع المكعبات النفطية وهو يتعارض مع باسيل في هذا الشأن. وتؤكد أن سليمان وميقاتي، كغيرهما، يحرصان على حماية الثروة النفطية للبنان وعدم التفريط بها، لكنهما يشترطان التوافق على كل التفاصيل لتجنب مواجهة شوائب، سواء من خلال التلزيم أم من خلال الأمور التنظيمية، يمكن أن ترتد سلباً على صدقية البلد. بالتالي لا بد من تحصين العملية دستورياً وسياسياً وتنظيمياً، وأن تكون بعيدة من الشبهات. وتقول إن لا مانع من التأجيل لتأمين أوسع إجماع يحصن الموقف اللبناني، وإن الإسراع ضروري لكن التسرع يمكن أن يقحم البلد في مشكلات. وتؤكد أن هناك ضرورة لتفادي الثغرات ليأتي التنقيب عن النفط شفافاً وفي منأى عن الشبهات.