يطرح الانقسام الحاد في شأن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة المتهمين في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه السؤال عن موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان منه، خصوصاً أن الوسط السياسي يترقب هذا الموقف فور عودته الوشيكة من المكسيك، باعتبار أن السجال سينتقل حتماً الى طاولة مجلس الوزراء لدى عقده لاستكمال مناقشة مشروع قانون الموازنة للعام المقبل وفيه بند خاص في موازنة وزارة العدل لتسديد حصة لبنان من تمويل المحكمة كان لقي اعتراضاً من وزراء المعارضة سابقاً في الجلسة الأولى للحكومة المخصصة لمناقشة مشروع الموازنة. وينطلق السؤال عن موقف سليمان من تمويل المحكمة من كون الوزراء المحسوبين عليه، وعددهم خمسة، باتوا يشكلون بيضة القبان في حسم الانقسام الذي زاد من حدة المواقف بين «تيار المستقبل»، ومن خلاله قوى 14 آذار، وبين المعارضة سابقاً التي تجاوزت دعوتها الى الاستماع الى شهود الزور ومحاكمتهم الى المطالبة بإسقاط المحكمة بذريعة انها تودي بلبنان الى فتنة مذهبية وطائفية. وفي هذا السياق تؤكد مصادر وزارية صعوبة التوافق على مخرج ينهي الانقسام في شأن المحكمة، وتعزو السبب الى أن لكل فريق وجهة نظره وأن التفاهم على قواسم مشتركة أصبح أمراً مستحيلاً بسبب إصرار الجميع على مواقفهم. ورأت المصادر أن السيناريو السابق سيتكرر في حال تقررت مناقشة تمويل المحكمة في الجلسة، وأن المشهد السياسي الذي خرج به مجلس الوزراء في جلسة الاثنين الماضي سيبقى حاضراً، لأن وزراء المعارضة سيعترضون عليه انسجاماً مع موقفهم الموحد منه وبناء على اتفاق توصلت إليه قياداتهم. ما استدعى تعليق البحث، وربما الى حين عودة الرئيس سليمان من الخارج ليرأس الجلسة المقبلة التي لن يغيب عنها البند الخاص بتمويل المحكمة. ولفتت الى أن وزراء المعارضة لن يتراجعوا عن موقفهم في مقابل تمسك وزراء 14 آذار بإقرار بند تمويل المحكمة، وهذا يعني أن كلمة الفصل في هذا المجال ستكون للوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية باعتبار أن إقراره يتطلب التصويت عليه بأكثرية ثلثي أعضاء الحكومة بينما يحتاج إسقاطه الى الثلث المعطل. وبما أن قوى 14 آذار غير قادرة على تأمين النصاب المطلوب لإقراره من دون موافقة الوزراء الخمسة للرئيس سليمان الذين يشكلون أكثرية الثلثين إذا ما أضيفوا الى وزراء الأكثرية البالغ عددهم 15 وزيراً من ضمنهم وزراء «اللقاء النيابي الديموقراطي» برئاسة وليد جنبلاط الذين يقفون الى جانب الالتزام بتمويل المحكمة، فإن وزراء المعارضة يراهنون كما أبلغ أحدهم «الحياة» على قدرتهم على اختراق كتلة رئيس الجمهورية الوزارية على الأقل بوزير واحد ليكون في وسعهم تأمين الثلث المعطل، أي 11 وزيراً، لإسقاط التمويل. لذلك تنصح المصادر نفسها بعدم استباق الموقف الذي سيتخذه سليمان وتدعو الى التريث لحين عودته الى بيروت، لكنها في المقابل تسأل عن الجدوى من المعركة الدائرة حالياً في لجنة المال والموازنة النيابية حول بند تمويل المحكمة في موازنة وزارة العدل للعام الحالي على رغم أنه وارد في مشروع قانون الموازنة الذي أحالته الحكومة على البرلمان. وتعتقد المصادر بأن المعارضة أعدت العدة لإسقاط بند التمويل بمفعول رجعي يقضي بحذفه من موازنة عام 2010 مع أن القرار النهائي بصدده يعود الى الهيئة العامة في البرلمان. وهذا ما توافق عليه أخيراً أعضاء لجنة المال والموازنة برئاسة النائب في «تكتل التغيير والإصلاح» إبراهيم كنعان. وتؤكد المصادر أن المعارضة، وإن كانت لم تتخلَّ عن مطالبتها بالاستماع الى أقوال شهود الزور ومحاكمتهم وهي تنتظر التقرير الذي يرفعه وزير العدل إبراهيم نجار الى مجلس الوزراء، فإن المدى الأبعد لتحركها يكمن في الإعداد لإسقاط المحكمة الدولية مع العلم أن القرار في هذا المجال بيد المجتمع الدولي وأن تعذر تمويلها لبنانياً يتيح للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون البحث عن مصادر أخرى للتمويل. إلا أن هذه المصادر تترقب الموقف النهائي لرئيس المجلس النيابي نبيه بري مع أن وزراءه أظهروا في جلسة الاثنين لمجلس الوزراء تضامناً مع زملائهم في المعارضة لجهة إسقاط بند التمويل. ولم تؤكد المصادر أو تنفي ما أشيع أمس عن أن الرئيس سليمان سيترك لوزرائه حرية التصويت في مجلس الوزراء على بند تمويل المحكمة للعام المقبل مع أن أوساطاً في المعارضة تجزم بأن هذا البند بالذات لن يمر في المجلس من دون أن تستفيض في تسليط الأضواء على دوافع ارتياحها الى موقف أحد الوزراء المحسوبين على الرئيس خلافاً لما تتوقعه جهات نافذة في 14 آذار. وعليه فإن تبادل المواقف الساخنة من المحكمة استمر أمس، وإن كانت أقل حدة. وكان لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري موقف جدّد فيه تمسكه بالمحكمة باعتبارها، كما قال أثناء ترؤسه اجتماع المكتب السياسي ل «تيار المستقبل»، مؤسسة دولية قائمة بذاتها ولا تخضع لأي موازين سياسية، مشدداً في الوقت نفسه على أنه من غير الوارد البتة التخلي عن دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه. كما جدد الحريري حرصه على الاستقرار الداخلي واعتماد المؤسسات الدستورية حاضناً وحيداً لأي اختلاف أو تعارض في المواقف لتجنيب اللبنانيين أجواء التشنج واحتراماً للحرص العربي على الاستقرار اللبناني. وتطرق الحريري الى العلاقة مع سورية، مؤكداً أولوية هذه العلاقة ورفض العودة بها الى الوراء لأن في ذلك مصلحة للبنان وسورية معاً. واعتبر الحريري، كما نقل عنه أعضاء في المكتب السياسي ل «الحياة»، «ان أحداً لا يؤثر في المحكمة الدولية التي تحقق العدالة والاستقرار و»إن من يهددنا بمنطق اللادولة يريد نقض البيان الوزاري وعليه أن يتحمل مسؤوليته»، لافتاً الى أن العلاقة بين لبنان وسورية تقوم من دولة لدولة وإنه يرفض الاستقواء بها على الآخرين أو الشكوى ضدهم. وكان الحريري رأس مساء أمس جلسة لمجلس الوزراء في حضور 22 وزيراً وغياب 8 وزراء، واستبقها باتصال ببري تشاورا خلاله في آخر المستجدات السياسية. يذكر أن بري كان التقى أمس وزير الطاقة جبران باسيل في حضور النائب علي حسين خليل. وتردد أن باسيل طلب موعداً عاجلاً للقائه في ضوء ما توارد إليه من أن لديه مجموعة من الملاحظات الأساسية على أدائه في وزارة الطاقة بدءاً باستئجار باخرتين لتعويض النقص في التيار الكهربائي يتم تلزيمهما بالتراضي بدلاً من اتباع آلية تقضي باستدراج العروض تمهيداً لتلزيمهما. ومروراً بإنفاق مبالغ مالية كبيرة تحت عنوان عقود استشارية مع عدد من الخبراء وانتهاء بعقود مع آخرين في منشآت النفط بذريعة وجود نقص في الخبرات.