لا تكاد ساحة التحرير تخلو من الطلاب الذين يفدون إليها في كل يوم جمعة للتظاهر ضد الفساد والمطالبة بالإصلاح السياسي والحريات. فالعام الدراسي الذي بدأ في الجامعات قبل أيام لم يمنع الطلاب المناصرين للحريات والمطالبين بالتغيير من التوجه إلى ساحة التحرير في أيام الجمعة المخصصة للتظاهرات، لا سيما طلاب الكليات الإنسانية الذين يتفوقون على أقرانهم في الكليات العلمية في شكل كبير في النشاط المدني. وتبدو النشاطات المدنية والتحرك لتنظيم التظاهرات والمشاركة فيها سمة ملازمة للطلاب الدارسين في كليات الإعلام والعلوم السياسية والفنون الجميلة، فيما لا يعير أقرانهم من طلاب كليات الطب والهندسة والعلوم اهتماماً للأمر ويعتبرونه أمراً ثانوياً مقارنة بالدراسة. فالنشاطات الطالبية في تلك الكليات غالباً ما تتخذ شكلاً جماعياً وتعاونياً بحيث يتوزع الطلاب المهام فيما بينهم لجهة التحضير للتظاهرات والمشاركة فيها. ويتم اختيار الطالب الذي يتمتع بموهبة كبيرة في مجال الخط لكتابة الشعارات المراد رفعها في اليوم التالي في التظاهرة، كما يتم اختيار بيت الزميل الأقرب إلى ساحة التحرير للمبيت فيه تحسباً لفرض حظر التجوال أو إغلاق الجسور الذي يرافق انطلاق غالبية التظاهرات في العراق. آسر علي أحد الطلاب الذين اعتادوا المشاركة في تظاهرات التحرير، يقول إن زملاءه الذين يساهمون في تنظيم التظاهرات خصصوا يومي الخميس والجمعة لنشاطاتهم المدنية، بحيث يجتمعون مساء الخميس لإعداد المخطوطات والشعارات التي يتوجهون بها يوم الجمعة إلى ساحة التحرير. ويضيف: «لن تعطلنا الدراسة عن ذلك بل على العكس، تحفزنا على العمل الجماعي أكثر من العطلة». واختلاف وجهات النظر بين بعض الطلاب لا يؤثر في وجودهم في ساحة التحرير وترديدهم الهتافات ذاتها ضد الأداء الحكومي والمطالبة بتوفير الخدمات والحفاظ على الحريات التي أقرت في الدستور. أما الهيئات التدريسية والقيادية في الجامعات، فشهدت بعض التغييرات في قياداتها بما يتلاءم مع توجهات الوزير الذي لم يتمكن من إحداث جميع التغييرات التي يرغب فيها في الوزارة والجامعات العام الماضي. حركة التغييرات في الكوادر التدريسية واجهت اعتراضات من قبل الطلاب الذين نظموا تظاهرات صغيرة داخل الحرم الجامعي اعتراضاً على قرار نقل عميد هنا أو رئيس جامعة هناك؛ وغالباً ما يقابل تحركات كهذه تريث وزاري في تنفيذ القرار لحين انتهاء حركة الاعتراضات. لكن التظاهرات لا تنطلق دائماً لتأييد بقاء العميد أو رئيس الجامعة أو رئيس القسم داخل الكلية، إذ إن بعضها ينطلق للمطالبة بتنحيته عن منصبه، وغالباً ما تكون مصحوبة بإضراب طالبي تواجهه العمادات بقرارات فصل فردية لبعض الطلاب الناشطين أو معاقبتهم في الامتحانات لمنعهم من تكرار الأمر. ويقول سعد حاجم أحد المؤيدين للتظاهرات الاحتجاجية في الجامعات، إن هذه المظاهرات «لا تنظم إلا في حال حدوث أمر مهم يهدد مستقبل الطلاب أو صدور قرار جائر بحق أحد الأساتذة أو العمداء أو منتسبي الهيئات التدريسية. ويتابع: «إذا صمتنا على تلك القرارات فسنعتاد الأمر ولن نتحرك بعدها». أما الوزارة التي بدت في السابق أكثر انصياعاً لرأي الطلاب في مطالباتهم في هذا المجال، فباتت اليوم أشد صرامة في تنفيذ القوانين، ومنحت الجامعات حق التصرف في بعض الحالات الحرجة والعاجلة لإيقاف التظاهرات الطالبية داخل الحرم الجامعي ومعاقبة الأساتذة المساندين بتهمة إثارة الشغب داخل الجامعة. وعلى رغم أن العام الدراسي الحالي في العراق لا يحمل الكثير من التغييرات في جعبته مقارنة بالدول التي غيرت أنظمتها السياسية حديثاً، فإن أهم ما يحمله هو ذلك الإصرار الكبير من قبل الطلاب في التعبير عن آرائهم وتحمل نتائج تمردهم على الفساد والتضييق على الحريات سواء حدث هذا الأمر في ساحة التحرير أم في ساحة الحرم الجامعي داخل كلياتهم.