أعلنت حركة «الحقيقة السوداء» الأردنية قبل أيام عن مسابقة غريبة من نوعها، وصلت نسخة منها إلى بريدي الإلكتروني كما وصلت الى آخرين. تشير الرسالة الى إقامة مسابقة ثاني أجمل نكتة «إصلاحية» في الأردن، بحكم أن أجمل نكتة فازت بها الحكومة وتتمثل في أنها «جادة في الإصلاح». وطلب منظمو الحركة من مُستلمي الرسالة إرسال النكات إلى صفحتهم على «فايسبوك»، معلنين عزمهم على جمع كل النكات في كتيب سيصدر قريباً، فضلاً عن حصول صاحب ثاني أجمل نكتة على جائزة «مش كثير محرزة». واللافت في الأمر أن هذه الحركة تحاول أن تستقطب الشباب بأساليب غير مألوفة، فقد نفذت قبل أسبوع اعتصاماً أمام مبنى رئاسة الوزراء غلب عليه الطابع التهكمي أيضاً، مستوقفاً متتبعي الحركات السياسية والشبابية. وقف حينه شباب وفتيات مُكممي الأفواه، حاملين لافتات كتب عليها «نعم للفساد... لا للإصلاح»، «نعم لسرقة قوت الشعب»، «نعم لبيع مؤسسات الدولة». «الحقيقة السوداء» وغيرها من الحركات الشبابية التي تجاوزت في غضون بضعة أشهر حاجز ال 70 حركة، تؤشر الى أن تيار التغيير الذي عصف بالدول المجاورة، وصل أخيراً الى الأردن وإن بطرق مختلفة. ويقول الدكتور فاخر دعاس، وهو أحد المشاركين في تلك الحركات ومسؤول المكتب الشبابي لحزب «الوحدة الشعبية»: «الشباب الأردني يحاكي في حراكه التجربة التي حصلت في مصر وهو ما يفسر ظهور مجموعات شبابية اتجهت الى موقع فايسبوك لتجمع مناصرين لها وتصيغ مطالبها بالإصلاح وتوسيع هامش الحريات». ويرى دعاس أن «غالبية المجموعات التي أعلنت عن نفسها عبر فايسبوك لم تنزل بعد الى الميدان على رغم نشاطها الواسع في الفضاء الإلكتروني، فيما الأخرى تمكنت من الخروج الى الشارع لكونها تعمل ضمن أُطر سياسية وحزبية غير معلنة». ويعتقد دعاس أن الحركات الشبابية حريصة على أن تنأى بنفسها عن أي صلة بالقوى الحزبية في محاولة لكسب التأييد الشعبي، بعدما صار الانطباع السائد أن الأحزاب غير قادرة على التغيير. ويبدو لمتتبع الحراك الشبابي في الأردن أن الفئات المشاركة يغلب عليها طلاب الجامعات ما يعكس تغييراً في العقلية وفق ما يؤكد دعاس معبراً عن حماسته لتلك النشاطات. ويقول: «الثورات المندلعة في المنطقة نجحت في استدراج الشباب الأردني إلى الاهتمام بالقضايا العامة بعدما كانت اهتماماتهم محصورة بالأمور السطحية». ويشير دعاس إلى إيجابية ارتفاع أعداد المجموعات الشبابية المطالبة بالإصلاح ولكنه يصفها بالقوى المتشردة. ويرى أن على هذه القوى الاتحاد والاتفاق على إطار عام للمطالب حتى تصبح قوى ضاغطة قادرة على تحريك عجلة الإصلاح. ويلفت بشار الخطيب، ويعمل مستشاراً إعلامياً وهو ممثل لحركة دستور 1952، الى أن مجموع القوى الشبابية التي ظهرت في الآونة الأخيرة وصل الى 78 حركة تقريباً، وأن 10 في المئة منها انطلقت الى الشارع لعرض مطالبها. ويعتقد الخطيب أن ما يحصل في دول الجوار من ثورات هو الذي حفز الشباب على التحرك بعد أن كانوا محبطين لأن «عهد الخوف ولى» كما يقول. ويشير إلى اعتصامات عدة نفذتها قوى حزبية في وقت سابق ولكنها لم تستقطب الرأي العام ولم تلفت انتباهه بالقدر الذي استطاعت فيه القوى الشبابية أن تشكل شريحة واسعة من المشاركين والمراقبين في الوقت ذات. المشهد تبدل اليوم، فالشباب في الأردن مصرون على الأخذ بزمام الأمور من دون أن تكون لهم أي مرجعية تنظيمية. ويعتبر الخطيب أن بعض الحركات منبثق أساساً من الأحزاب لكن لا يتفق مع إدارتها لذا خاض التجربة منفرداً. وفي تأكيد أن جميع الحركات تنأى بنفسها عن الأحزاب يشير الخطيب الى العبارات التي تحرص القوى الصاعدة على إبرازها في كل اعتصام أو في موقعها الإلكتروني مثل «نعمل تحت عباءة الوطن»، «نحن مبادرة شبابية». أما الشباب الذين يعملون تحت مظلة حزب فاختاروا أن ينظموا مبادرتهم بجهود فردية ومن دون أن يتلقوا أية تعليمات من أحزابهم، لأنهم يعتقدون أن برامج الحزب لا تتفق مع مطالب الفئة الشبابية. وتقول رشا (22 سنةً): «ما يحدث في الأردن من حراك شبابي سياسي يبشر بالخير». وتعتقد رشا وهي طالبة جامعية بأن أقرباءها من الشباب قادرون على إحداث تغيير بعدما تعطلت عجلته بسبب عدم جدية الحكومات المتعاقبة في التعامل مع ملف الإصلاح. وتقول: «آن الآوان لتتفق الحركات الشبابية فيما بينها وتصبح قوى ضاغطة ومؤثرة».