بارك رؤساء حكومات سابقون وقيادات بارزة في الدولة الأردنية ما يمكن أن يوصف بأنه أكبر انشقاق عملي في صفوف جماعة «الإخوان المسلمين»، كبرى الجماعات المعارضة في البلاد، إذ شارك بعضهم ظهر أمس بإشهار مبادرة «إصلاحية» أطلق عليها اسم «زمزم» كانت أعلنتها في وقت سابق شخصيات محسوبة على التيار المعتدل (الحمائم) داخل التنظيم الأكثر حشداً بمشاركة قيادات إسلامية مستقلة. وبدا خلال حفلة الإشهار التي جرت أمس في إحدى قاعات «المركز الثقافي الملكي»، أحد أهم المراكز الثقافية التابعة لمؤسسة الحكم الأردنية، أن عمان الرسمية ترحب بالمبادرة الجديدة، بل وتفتح أذرعها لاحتضان «متمردي الجماعة» الذين دعوا خلال مبادرتهم إلى احترام النظام الهاشمي، والاقتراب من السلطة المركزية، وعدم مقاطعة أي انتخابات تشريعية أو محلية تشهدها البلاد. وكان لافتاً أن قيادة المبادرة اختارت لرعاية حفلة الإشهار، أحد أبرز رؤساء الحكومات في عهد الملك عبد الله الثاني، وهو عبد الرؤوف الروابدة الذي يمتلك إرثاً سيئاً وطويلاً مع جماعة «الإخوان»، إذ تتهمه الأخيرة بإبعاد قادة حركة «حماس» عن العاصمة الأردنية عام 1999 حين كان يشغل منصب رئيس الوزراء. وكانت لافتاً أيضاً مشاركة رئيس الوزراء السابق معروف البخيت الذي يعتبر أيضاً الخصم اللدود لتنظيم «الإخوان» في الأردن، والذي كان صرح ل «الحياة» قبل أشهر بأن جماعة «الإخوان» تلقت أوامر من التنظيم الأم في مصر لإسقاط النظام الملكي في البلاد. كما شارك في حفلة الإشهار وزير الداخلية السابق سمير الحباشنة الذي قاد معركة كسر عظم مع قادة الجماعة خلال فترة توليه الحقيبة السيادية، والتي تخللها اعتقال ناشطين سياسيين. والمفارقة أن غالبية الذين دعوا من الرسميين لحضور حفلة إشهار المبادرة التي يفترض أنها «إصلاحية»، ظلوا يمثلون خلال الفترة الماضية شخصيات تطاردها اتهامات شعبية بالفساد. كما كان لافتاً أيضاً خلال الإشهار حضور عشرات المنشقين السابقين عن جماعة «الإخوان»، منهم الوزير السابق عبد الرحيم العكور. وفي حين أكدت «زمزم» أنها وجهت دعوات الحضور إلى جميع القوى والأحزاب السياسية، لوحظ الغياب الكامل لممثلين رسميين عن «الإخوان». وكان واضحاً أن قيادة المبادرة تمكنت بشكل أو آخر من شق صف الجناح الشبابي والطالبي التابع للجماعة، وهو الجناح المعروف بصلابته، إذ شهدت الحفلة مشاركة عدد من شباب «الإخوان» البارزين، منهم الناشط الطالبي المعروف أحمد العكايلة الذي كان أحد أبرز المطالبين خلال موجة التظاهرات السابقة بإطاحة النظام بدل إصلاحه، الأمر الذي عرضه للمساءلة مراراً داخل الأطر التنظيمية. وما من شك أن غالبية أعضاء المبادرة وقادتها يمثلون إلى حد كبير التيار الشرق الأردني داخل الجماعة، وهو ما قد يشي بأن الانشقاق عملياً يحمل في طياته بعداً إقليمياً في بلد يعتبر نصف سكانه من أصول فلسطينية، في حين يضم التنظيم «الإخواني» خليطاً واسعاً من الأردنيين على اختلاف أصولهم ومنابتهم، بعكس الأحزاب والكيانات السياسية الأخرى. وفي أول رد رسمي على حفلة الإشهار من قيادة «الإخوان» التي يسيطر عليها التيار المحافظ (الصقور)، رفض الرجل القوي داخل الجماعة زكي بني ارشيد الرد على استفسارات «الحياة» في خصوص مبادرة «زمزم»، لكنه قال إن حضور بعض الشخصيات الرسمية المتهمة بالفساد حفلة إشهار المبادرة الجديدة «يتطلب تفسيراً واضحاً من مطلقيها». من جهته، قال مصدر قيادي مطلع داخل الجماعة ل «الحياة» إن قيادة التنظيم «حذرة وتترقب الخطوة القادمة لزمزم، لكنها لن تصدر أي قرارات رسمية بتجميد أو فصل أعضائها، على اعتبار أن قرارهم يمثل بالأصل انشقاقاً عملياً عن الجماعة». وأضاف: «أعضاء المبادرة اختاروا التغريد خارج السرب، وهذا شأنهم». لكن مهندس المبادرة ارحيل الغرايبة قال إن «زمزم لا تمثل حركة انشقاق، ولا تهدف إلى مناكفة أحد»، في حين قال عضو المبادرة محمد المجالي إن «زمزم جاءت مكملة لما عجزت عنه جماعة الإخوان من اهتمام بالمستوى المطلوب للشأن الأردني الداخلي». وكانت «الحياة» نشرت في وقت سابق تعميماً داخلياً وزع على كوادر الجماعة في جميع المحافظات يقضي بعدم التعاطي مع مبادرة «زمزم». وجاء في التعميم الذي سربت نسخة منه إلى «الحياة»: «في الوقت الذي تعمل الجماعة مجتمعة على تحقيق برنامجها المطالب بالإصلاح، فاجأنا بعض الإخوة بإطلاق مبادرة جديدة لا تعدو كونها تنظيماً جديداً يتقاطع مع الجماعة في بعض السياسات ويختلف معها في أخرى». وشهدت جماعة «الإخوان» في الأردن أزمات داخلية عدة، أبرزها عام 1997 عندما قدمت قيادات بارزة استقالاتها من الجماعة احتجاجاً على قرار مقاطعة الانتخابات النيابية. وفي عام 2007 أعلنت قيادة الجماعة حل نفسها إثر خسارة فادحة منيت بها في الانتخابات التشريعية.