بلغت الخلافات داخل جماعة «الإخوان المسلمين» الأردنية أشدها خلال اليومين الماضيين إثر مبادرة جديدة ل «الإصلاح» سميت»مبادرة زمزم» كانت شخصيات محسوبة على التيار المعتدل (الحمائم) داخل التنظيم المعارض الأكثر حشداً في البلاد، أعلنتها بمشاركة قيادات إسلامية مستقلة. وكشفت مصادر مطلعة داخل القيادية الحالية للجماعة التي يسيطر عليها التيار المتشدد (الصقور) عن توجه «إلى إخضاع أعضاء المبادرة لمحاكمات داخلية قد تصل إلى حد الفصل من التنظيم إذا لم يتم التراجع عن مضامينها أو القيام بتعديلها بما يتوافق مع رؤية الجماعة الإصلاحية». وأكدت المصادر ل «الحياة» أن «مجلس شورى الجماعة، أعلى هيئة تنظيمية، ومكتبه التنفيذي ناقشا على مدى جلسات المبادرة التي يتبناها القياديون البارزون في تيار الحمائم رحيل غرايبة ونبيل الكوفحي وآخرون، وخلصا إلى ضرورة صوغها من جديد». وعلمت «الحياة» أن المكتب التنفيذي أبلغ أصحاب المبادرة بضرورة التوقف عن التعاطي الإعلامي والتنظيمي معها، حتى تقديمها بشكل رسمي للمكتب واتخاذ قرار بشأنها. وكانت المبادرة أثارت مخاوف لدى قطاعات «إخوانية» من أن تؤدي إلى تصدع الجماعة، لكن غرايبة نفى ل «الحياة» بشدة رغبة أصحابها بالانشقاق، قائلاً: «لا نريد أن نناكف جماعة الإخوان، وأعتقد أن النجاح الذي أقدره للمبادرة أن لا تخوض في مثل هذه المعارك». وأضاف: «على جميع العقلاء أن يبتعد عن منهج التخوين والتكفير والإقصاء والاستفراد». بموازاة ذلك، نفى القيادي سالم الفلاحات أن يكون «تيار الحمائم» تبنى المبادرة موضع الجدل، وقال في تصريحات: «إنها مبادرة لمجموعة يقول أصحابها إنها تسعى إلى إنشاء ميادين جديدة للعمل تستوعب الآخرين». لكن الفلاحات الذي يعتبر من أبرز قادة التيار المعتدل، سارع إلى نزع غطاء «الحمائم» عن أعضاء المبادرة، ولم يخف انتقاده العلني لأصحابها، قائلاً: «هناك مشروع إصلاحي للجماعة يشغل الجميع، والأصل الترفع عن الحديث بتفاصيل لا داعي لها». وجاءت هذه التصريحات تزامناً مع تقديم مذكرات داخلية لقيادة الجماعة الحالية تطالبها بمحاكمة أعضاء المبادرة فوراً، وتحذر مما أسمته «تصدع البنيان»، معتبرة أن مثل هذه المبادرات «تقترب من النظام على حساب الثوابت». وجاء في إحدى المذكرات التي سرّبت نسخة منها إلى «الحياة» أن «أعضاء مبادرة زمزم ضربوا بعرض الحائط أدنى الإجراءات الأدبية والتنظيمية غير آبهين بمصلحة البلد والجماعة، في وقت عصيب أحوج ما يكون فيه التنظيم إلى التفاف الأفراد حوله والتوحد على مشروعه الإصلاحي الوطني». وأضافت المذكرة: «اتضح لنا أن هناك بعداً إقليمياً لدى أصحاب المبادرة يجب علينا عدم إغفاله أو السكوت عنه». وزادت: «نرى أن القيادة أعطت (أصحاب زمزم) المهلة اللازمة ليعودوا إلى رشدهم وتنظيمهم، لكنهم ماضون بمبادرتهم وفي زرع جيوب مسمومة داخل أطر الجماعة، لذا على المكتب التنفيذي محاكمة هؤلاء محاكمة تنظيمية واتخاذ أقصى العقوبات بحقهم». وتدعو المبادرة المثيرة للجدل إلى المشاركة في الحكومات والمجالات المختلفة وفق استراتيجيات إصلاحية، إلى جانب الحفاظ على ما أسمتها «هيبة الدولة الأردنية». وكانت جماعة «الإخوان» في الأردن شهدت أزمات داخلية عدة، أبرزها عام 1997 عندما قدمت قيادات بارزة استقالاتها من الجماعة احتجاجاً على قرار مقاطعة الانتخابات النيابية. وجرت العادة في حال استعصاء حل بعض الخلافات الداخلية، اللجوء إلى مكتب الإرشاد العالمي لجماعة «الإخوان» ومقره مصر. وغير بعيد عن مبادرة «زمزم»، بدأت مساع جدية داخل أروقة الجماعة لإعادة تشكيل بعض المواقع القيادية التي من شأنها أن توصل قيادات لدى تياري «الحمائم» و»الوسط» إلى أماكن متقدمة داخل التنظيم. وتأتي هذه المساعي بعد رفض «الحمائم» الدخول في القيادة الحالية التي جرى انتخابها مطلع العام، وفي أجواء من الصدام السياسي غير المسبوق بين الجماعة ومؤسسات الحكم المختلفة. وكان مجلس شورى الجماعة شكّل أخيراً لجنة مكوّنة من قيادات الطرفين لتعمل على إعادة «ترتيب المواقع» داخل القيادة الحالية بعد أن قدمت مبادرة غير معلنة لعدد ممن يعرفون ب «حكماء الإخوان» تتضمن «الانقلاب» عملياً على قيادة الجماعة، إثر تقديم شكاوى لمكتب الإرشاد العالمي عن استخدام «المال السياسي» في الانتخابات الداخلية. وتحدثت أوساط «الإخوان» عن احتمال إعادة تشكيل المكتب التنفيذي للجماعة، وأن يشمل التغيير رئيس مجلس الشورى الذي تتحدث مصادر عن احتمال إسناده إلى سلام الفلاحات الذي قال غير مرة إن «هناك بحثاً جدياً لإعادة ترتيب المواقع القيادية وإشراك الجميع بتحمل المسؤولية».