تواجه جماعة «الإخوان المسلمين» الأردنية أكبر انشقاق في تاريخها وفق محللين ومراقبين لشؤون الحركات الإسلامية، إثر مبادرة جديدة ل «الإصلاح»، سميت «مبادرة زمزم»، أعلنتها شخصيات محسوبة على التيار المعتدل (الحمائم) داخل التنظيم المعارض الأكثر حشداً في البلاد بمشاركة قيادات إسلامية مستقلة. وكشفت مصادر عليمة داخل القيادة، التي يسيطر عليها التيار المتشدد (الصقور)، ل «الحياة» أن تعميماً وزع على كوادر الجماعة في جميع المحافظات أمس، يقضي بعدم التعاطي مع هذه المبادرة. وجاء في التعميم الداخلي، الذي سربت نسخة منه إلى «الحياة»، «في الوقت الذي تعمل فيه الجماعة مجتمعة على تحقيق برنامجها المطالب بالإصلاح، فاجأنا بعض الإخوة بإطلاق مبادرة جديدة لا تعدو كونها تنظيماً جديداً يتقاطع مع الجماعة في بعض السياسات ويختلف معها في أخرى». وأضاف التعميم: «إن التنظيم الجديد يستقطب الإخوان والأخوات بعيداً عن علم الجماعة وموافقتها». وزاد: «إن إخوانكم في القيادة يطالبون الإخوة المنخرطين في هذه المبادرة بالتوقف عن الدعوة إليها أو المشاركة فيها، كما يطالبون الإخوة والأخوات بعدم الاستجابة إليها». ويبدو أن مثل هذا التعميم، دفع مصادر قريبة من التنظيم إلى القول «إن الجماعة قد تشهد خلال الأيام المقبلة أكبر انشقاق في تاريخ الإخوان الأردنيين، نظراً لوجود عشرات المنخرطين في تيار الحمائم الذين يتبنون مثل هذه المبادرة». وفي حين فضلت شخصيات بارزة داخل القيادة الحالية عدم الرد على استفسارات «الحياة»، حول الموقف الرسمي من المبادرة التي أطلق عليها اسم «مبادرة زمزم»، وصف قيادي بارز محسوب على تيار «الصقور» المبادرة المذكورة بأنها «مشبوهة وغير بريئة وتهدف إلى شق صف الإخواني بالتعاون مع جهات رسمية داخل الدولة». واتهم القيادي الذي رفض كشف اسمه من وراء المبادرة بأنهم «يسعون إلى زرع الفرقة وبذور الخلاف داخل صفوف الجماعة على أساس إقليمي»، لا سيما أن جميع أعضاء المبادرة كما قال من أصول شرق أردنية، باستثناء اثنين فقط من الغرب الأردني. ويطلق تعبير «الغرب الأردني» على المواطنين الأردنيين من أصول فلسطينية، الذين قدموا إلى البلاد بعد حربي 1948 و1967. وحول إمكانية حدوث انشقاق لاحق في صفوف الجماعة، قال هذا القيادي: «لقد مرت الجماعة بأزمات سابقة وخرجت منها شخصيات لكنها لم تتأثر»، متهماً أعضاء المبادرة بالسعي إلى تأسيس حزب سياسي يحمل اسم «جماعة الإخوان المسلمين الأردنية». ووضع مهندسو المبادرة سياسات عامة تمهيداً لإقرار نظام داخلي خلال 4 شهور حيث تبنوا المشاركة في الحكومات والمجالات المختلفة وفق استراتيجيات إصلاحية، إلى جانب الحفاظ على ما أسموها «هيبة الدولة الأردنية»، وفق لوائحهم الداخلية. وحظيت المبادرة باهتمام واسع خلال اليومين الماضيين، بعد لقاء عقد بدعوة من القيادي البارز في الجماعة رحيّل غرايبة وحضور 70 شخصية غالبيتها من المحسوبين على «الحمائم»، إلى جانب شخصيات مستقلة غالبيتها ذات مرجعية إسلامية. وأكد تصريح صحافي للهيئة الموقتة للمبادرة أنها «لا تمثل حركة انشقاق عن أي تيار، ولا تهدف إلى مناكفة أي مجموعة، وتضم شخصيات من «الإخوان» ومن خارجها ومن كل ألوان الطيف الأردني». وأكد المهندس الأول للمبادرة رحيل غرايبة في تصريح صحافي أمس، أن ما جاء فيها «لا يمثل حالة انشقاق عن التنظيم الإخواني»، وقال إن مبادرته «تنطلق من إطار وطني أوسع في وقت نعيش فيه انغلاق الأفق السياسي والاقتصادي وحالة توتر اجتماعي». وتابع أنها «محاولة لإيجاد انفراج ووضع تصورات معقولة ومدروسة من دون تجاذبات وتخندق وبعيداً عن المناكفات داخل الأطر التقليدية»، التي قال إنها «لم تستطع أن تقدم الحلول». لكن عضو المبادرة، محمد المجالي، كان أكثر وضوحاً عندما أكد ل «الحياة» أن المبادرة «جاءت مكملة لما عجزت عنه جماعة الإخوان من اهتمام بالمستوى المطلوب للشأن الأردني الداخلي»، متهماً التنظيم بالاهتمام أكثر في ما يخص القضايا العربية والإسلامية خصوصاً القضية الفلسطينية. وشهدت جماعة «الإخوان» في الأردن أزمات داخلية عدة أبرزها عام 1997، عندما قدمت قيادات بارزة استقالاتها من الجماعة احتجاجاً على قرار مقاطعة الانتخابات النيابية. وفي عام 2007 أعلنت قيادة الجماعة حل نفسها إثر خسارة فادحة منيت بها في الانتخابات التشريعية، بينما شهدت أيضاً خلافات حادة في الأعوام 2009 و2010 على خلفية قضايا تنظيمية من بينها مطالبات بفصل ما عرف بالمكاتب الإدارية الخارجية للجماعة المرتبطة بعلاقة تنظيمية بين «إخوان» الأردن وحركة حماس. وحسمت الجماعة قرارها بفصل المكاتب بطلب من حماس عام 2010. ومن المتوقع أن تحسم قيادة الجماعة موقفها من المبادرة خلال أيام قليلة، فيما جرت العادة في حال استعصاء حل بعض الخلافات الداخلية اللجوء إلى مكتب الإرشاد العالمي لجماعة «الإخوان» ومقره مصر.