بدأت علاقة الفنانة التشكيلية التونسية زهرة زروقي بالفن والرسم عن طريق المصادفة. فأثناء تجوالها في شارع ابن خلدون في العاصمة التونسية، لاحظت وجود «نادي الخط العربي» في دار الثقافة المغاربية، فتقدمت للانتساب إليه، وقبلت عضويتها مباشرة». لدى تعرفها إلى الخط العربي تعلقت بهذا الفن ورغبت في أن توثّق علاقتها به وتصقل موهبتها فيه تحديداً. وانضمت إلى المركز الوطني لفنون الخط العربي، وكذلك إلى المدرسة الإيطالية للفنون التشكيلية. تقول: «خلال ممارستي هذه الفنون، اكتشفت فنّاً آخر جمع بين الرسم التشكيلي والخط العربي، وهو فن الرسم على الماء أو فنّ «الابرو»، وهو فن من الفنون غير الموجودة أصلاً في تونس والبلدان العربية عموماً». رحلة البحث عن «الابرو» انطلقت زروقي في نبش تفاصيل هذا الفنّ وأسراره ومقومات هذه المدرسة الفنية وتقنياتها بجهود فردية... إلى أن وصلتْ إلى مراحل متقدمة من البحث والتجربة. «بعدها، حزمت أمتعتي وسافرت إلى تركيا لأتعلم هذا الفن من منابعه الأصلية، ومن هناك بدأت رحلة الاحتراف وفكّ طلاسم هذا العالم المغري»، بحسب تعبيرها. وعن فن «الابرو» الذي يبدو متعباً وليس في متناول الجميع، توضح زروقي أنه «كان محلّ اهتمام كبير من السلاطين العثمانيين، وخصوصاً السلطان سليمان. وهو فن يعكس الفلسفة الروحية والنظرة الكونية إلى ثقافة أصيلة». ويقول الفنان التركي حكمت باروتفي، وهو أحد مؤسسي مدرسة فن «الابرو» المعاصر إنه «ليس فناً ظريفاً، بل إنّه جيل من الفن يعرض علينا جماليات مثيرة في عالم دقيق وصغير لا يُرى بالعين المجردة، وهو أيضاً فنّ تاريخي يعبّر عن حقيقة غير قابلة للجدل والنقاش عند الشغوفين والباحثين عن الجمال». فنّ متعدد يُستخدم «الابرو» أيضاً في وقتنا الحاضر كأشكال جميلة فوق الورق والقماش والسيراميك والشمع والخشب، فضلاً عن استخدامات أخرى وفي أشكال متنوعة أقيم عليها هذا الفن التاريخي. وتوضح زروقي أن إنجاز لوحة «ابرو» يتطلب وجود حوض من الزنك ومسحوق ألوان ترابية وفُرُش خاصة مصنوعة من ذيل الحصان، بالإضافة إلى إبَر ومشط خاص وورق لملء الحوض. «وتُرش الألوان على الماء ثمّ تُحرَّك يمنة ويسرة وإلى الأعلى والأسفل... بغية الحصول على الشكل المطلوب. وبعدها توضع الورقة على الشكل وتُرفع من الحوض وتُترك لتجفّ بحيث نحصل على الشكل المرغوب فيه على الورقة». وتؤكد زروقي أنه «لا يمكن تكرار نماذج «الابرو» أو تقليدها، ولكن يمكن لفنان الابرو أنْ يقلّد أشكاله بدرجة متقاربة أو قريبة منها فقط، كون درجات الألوان وحساسية فنان «الابرو» تختلف من فنان إلى آخر». أحلام مؤجلة وعن علاقة المتلقّي التونسي بهذا الشكل الفنّي الجديد، تقول زروقي إن «المتلقي أو المشاهد عموماً يُصاب بنوع من الدهشة والاستغراب لحداثة هذا الفن في بلدنا أو في تونس، وهنا تكثر الأسئلة حوله بغية شرحه وفهمه». تحلم زروقي بإنجاز أكبر لوحة للرسم على الماء في العالم العربي وبأنامل عربية، وتقول: «قدّمت هذا المشروع إلى مؤسسات تُعنى بالفنّ داخل تونس وخارجها، لكنّني لمْ أتلقَّ أيّ رد من أية جهة حتّى الآن». ولا تخفِ أنّها ما زالت متمسّكة بفكرة إنجاز لوحة يشارك فيها عدد من الفنانين المتخصصين في هذا الفن، مثل الفنان التشكيلي الجزائري محمد أمين بن تركية الذي عرض الفكرة على مؤسسات مهتمّة بالفن، لكنه لم يتلق أي رد حتى الآن. وتشرح زروقي أنّ فكرتها تتمثّل في لوحة تجمع عدداً من الفنانين العرب... لتدخل موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية كأول وأكبر لوحة «ابرو» بأنامل عربية. لدى التشكيلية التونسية حلم آخر لم يتحقّق بعد، وهو إصدار كتاب باللغة العربية حول «الابرو». وتؤكد أنّها ما زالت في طور كتابته ليكون أول إصدار فني عربي في المكتبة العربية يهتمّ بهذا الفنّ. وهو يتطلب دقة كبيرة جداً وجهداً لإتمامه في الشكل المطلوب. شاركت زروقي في معارض عدة داخل تونس وخارجها، «وقد أفادني ذلك في زيادة خبرتي وتطوير تجربتي الفنية للانتشار وتنمية مواهبي وصقلها، فضلاً عن تبادل الخبرات بين الفنانين، ما يفتح آفاقاً ثقافية أوسع»، بحسب تعبيرها. وعن مشاريعها المستقبلية تقول إنّ أول مشروع هو معرض «خطّاطات عربيات» الذي سينظم في العاصمة السويسرية جنيف الشهر المقبل بدعم من الأممالمتحدة، وسيعرض أهم إبداعات المرأة العربية. كما ستشارك في معرض آخر للفنّ التشكيلي في «دار السلام» في بغداد، في إطار فعاليات «عاصمة الثقافة العربية 2013» في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، لتعود بعدها إلى تونس بمشروع فني - ثقافي مشترك بعنوان «سرب حمام من بغداد إلى تونس»، بالتعاون مع «جمعية الفينيق العربي الأدبي» في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، والتي ستشمل أمسية شعرية لشعراء تونسيين وعراقيين ومعارض فنية تشمل فنّ الخط العربي والزخرفة الإسلامية لفنانين تونسيين وعراقيين.